بعد روايات متضاربة عن خروج المقاتلين، بدأ المدنيون والمسلحون فعلياً الإثنين 2 أبريل/نيسان مغادرة آخر معقل للمعارضة قرب العاصمة دمشق، ما يمثل انتصاراً كبيراً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في هجومه القاسي من أجل تأمين العاصمة السورية بعد سنواتٍ من الحرب الأهلية.
ووفقاً لنشطاء محليين، ذكروا لصحيفة The Wall Street Journal، فإن أولى الحافلات التي تقلّ مقاتلين وعائلاتهم غادرت دوما، أكبر مدينة في ضاحية الغوطة الشرقية، في طريقها إلى شمال سوريا بعدما أبرمت المعارضة هناك اتفاقاً مع النظام.
وسينضم هؤلاء إلى آلاف السوريين الذين غادروا بَلدات الغوطة المُدمَّرة الأسبوع الماضي في إطار اتفاقات الإجلاء بين جماعات المعارضة والنظام السوري وداعميه الروس. لم يتضح على الفور عدد من وافقوا على المغادرة من سكان دوما البالغ تعدادهم 100 ألف نسمة.
عملية عسكرية استمرت 6 أسابيع
تُمثِّل السيطرة على الغوطة بعد ستة أسابيع من العمليات العسكرية البرية والجوية الانتصار الأهم لنظام الأسد منذ أن سيطر على حلب في 2016. وبات يسيطر الآن تقريباً على كل المنطقة المحيطة بالعاصمة السورية دمشق. ومن المتوقع أن يُحوّل بشارالأسد وحلفاؤه تركيزهم إلى باقي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في البلاد، في وقتٍ تتعثر فيه محاولات عقد محادثات سلام. ومع ذلك، فإنَّ السيطرة على مناطق بعيدة عن دمشق سيكون أكثر تعقيداً، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال سام هيلر، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية من بيروت: "سقوط الغوطة الشرقية هو خطوة أخرى تجاه ترسيخ سيطرة الأسد على وسط سوريا. لكن المناطق التي لا تزال بعيدة عن قبضته على أطراف البلاد واقعةٌ في شرك السياسات الإقليمية والدولية المُعقَّدة. وليس واضحاً بالضبط كيف يمكن للأسد استعادتها".
وجاء سقوط الغوطة قبل أيام من قمة ثلاثية في العاصمة التركية أنقرة، حيث من المقرر أن يجتمع الداعمون الرئيسيون للأسد إيران وروسيا مع تركيا لإجراء محادثات ستسعى إلى تحديد مسارٍ مستقبلي للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 7 سنوات.
وتلك البلدان الثلاثة هي الأطراف الرئيسية الضامنة لما يُسمَّى مناطق خفض التصعيد في سوريا، والتي تضم مناطق تعرضت للقصف مثل الغوطة.
ووفقاً لوسائل إعلام حكومية، قال النظام السوري إنَّ الهجوم على الغوطة "هو جزءٌ من عملية لاقتلاع الإرهابيين الذين يرفضون المصالحة الوطنية".
يحاول السيطرة بالكامل على البلاد
وبحسب الصحيفة الأميركية، أعطى الأسد إشاراته الخاصة على ما سيحدث تالياً. فحتى مع كون الهجوم على الغوطة الشرقية دائراً، شنَّت القوات التابعة له غارات جوية على معقلين آخرين تسيطر عليهما المعارضة، ما يمنح إشارة على المكان الذي سيركز عليه النظام فيما يسعى لإعادة فرض سيطرته على معظم البلاد.
واستهدف النظام في الأسابيع الأخيرة البنى التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات في إدلب شمال غربي سوريا ودرعا بالجنوب، وكلتاهما محافظتان محميتان ظاهرياً بموجب اتفاقات وقف إطلاق النار بين القوى الأجنبية.
لكنَّ إدلب على الأخص تُمثِّل تحدياً خطيراً للعديد من الأطراف المنخرطة في الحرب. إذ تضم المحافظة مزيجاً مستعصياً من مقاتلي المعارضة الذين يتنافسون للسيطرة على المنطقة، ومعظمها يقع تحت سيطرة فصيلٍ كان تابعاً للقاعدة في السابق هو "هيئة تحرير الشام".
فاقم وصول المقاتلين الذين جرى إجلاؤهم من الغوطة مؤخراً الوضع الفوضوي في إدلب أكثر مما هو عليه. وأصبح أيضاً شن النظام لهجومٍ أوسع نطاقاً على المحافظة أكثر تعقيداً في ظل وجود القوات التركية التي تدعم الفصائل المعارضة المعتدلة والتي أقامت ست نقاط مراقبة هناك.
جيوب صغيرة في قبض المعارضة
وبحسب الصحيفة الأميركية، في غضون ذلك، توجد في البلاد عدة جيوب أصغر في قبضة المعارضة وتطوّقها قوات الأسد، والتي قد يستهدفها النظام قبل التحرك ربما صوب إدلب. وتتضمَّن تلك المناطق جيباً صغيراً لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) جنوب دمشق، ومقاتلين في جبال القلمون الشرقي، وفي ريف حمص في الشمال.
بدأ النظام الهجوم على الغوطة الشرقية في فبراير/شباط الماضي، بعد حصارٍ دام لسنوات حَرَم 400 ألف من سكان الغوطة من الطعام والإمدادات الطبية. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مجموعة تراقب الوضع في سوريا، لقي 1644 مدنياً حتفهم من جراء هجوم النظام منذ 18 فبراير/شباط الماضي.
رغم إعلان النظام الاستيلاء الكامل على الغوطة أثناء عطلة نهاية الأسبوع، إلا أنَّ دوما بقيت صامدة فيما كانت بلدات أخرى تُفرَّغ من سكانها.
وقالت وسائل إعلام حكومية ونشطاء مستقلون إنَّ مقاتلي جيش الإسلام الذين غادروا دوما كانوا متجهين إلى مدينة جرابلس في منطقة شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها المعارضة.
لم تتضح تفاصيل الاتفاق مع جيش الإسلام، لكنَّ المرصد السوري قال إنَّ أعضاء المجموعة التزموا بإطلاق سراح السجناء والرهائن بعد اكتمال عملية الإجلاء.
وقال محمود بويضاني، وهو ناشط مناهض للنظام في دوما، إنَّ المقاتلين سيُسلِّمون أولاً الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي بحوزتهم، مع الإبقاء على لأسلحة الأخف لحين تشكيل مجلس محلي مُكلَّف بالمصالحة مع النظام.