أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس 29 مارس/آذار 2018 أن القوات الأميركية ستنسحب من سوريا "قريباً جداً"، معرباً عن أسفه لما اعتبره تبديداً من واشنطن لسبعة تريليونات دولار في حروب الشرق الأوسط، في حين دخلت فرنسا على الخط وأعلنت دعمها للأكراد حلفاء الولايات المتحدة في سوريا، وأعداء تركيا.
وقال ترمب في خطاب شعبوي أمام عمال صناعيين في ولاية أوهايو، إن القوات الأميركية باتت قريبة من تأمين كل الأراضي التي سيطر عليها في الماضي تنظيم "الدولة الإسلامية"، مضيفاً: "سنخرج من سوريا في وقت قريب جداً. فلندع الآخرين يتولون الاهتمام بها الآن".
ولم يحدد ترمب مَن يقصد بـ"الآخرين" الذين يمكن أن يتولوا أمر سوريا، إلا أن روسيا وإيران تمتلكان قواتٍ كبيرة في سوريا دعماً لنظام بشار الأسد.
وكرر ترمب القول "قريباً جداً، سنخرج من هناك قريباً جداً"، وأضاف: "سنعود إلى بلدنا الذي ننتمي إليه ونريد أن نكون فيه".
واعتبر الرئيس الأميركي أن واشنطن لم تجن شيئاً من الـ 7 تريليونات دولار التي أنفقتها بالشرق الأوسط، متعهداً بتركيز الإنفاق الأميركي في المستقبل على خلق وظائف وبناء بنية تحتية في بلده.
وأضاف: "بنينا مدارس (في سوريا) وقصفوها، وبنينا منشآت وهم يقصفونها، لكن إذا أردنا أن نبني مدارس في (ولايتي) أوهايو أو آيوا، فإننا لا نحصل بسهولة على الأموال".
نفوذ إيران في سوريا
وفاجأ قرار الرئيس الأميركي كلاً من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ووزارة الخارجية، بحسب ما ذكرته قناة Abc الأميركية، أمس الخميس.
وقالت القناة إن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر نويرت، أجابت على سؤال للصحفيين بخصوص قرار الرئيس الأميركي، قائلة إنه لم يكن لديها علم بأي خطة جديدة لانسحاب القوات الأميركية من سوريا".
وتتعارض رغبة ترمب بالانسحاب من الأزمة السورية، مع ما أعلنه في يناير/كانون الثاني الماضي، وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، والذي اعتبر آنذاك أن "القوات الأميركية ستبقى في سوريا من أجل منع تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة من العودة، ولحرمان إيران من فرصة تعزيز موقعها في سوريا".
ويخشى مسؤولون في الإدارة الأميركية من أن سحب قوات الولايات المتحدة من سوريا سيفسح المجال أمام إيران لتعزيز نفوذها في سوريا.
ويأتي قرار ترمب في وقت تتخذ فيه إدارته موقفاً متشدداً من طهران، خصوصاً عبر التغييرات الأخيرة التي أجراها الرئيس بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، ومايك بومبيو بدلاً من وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون.
كان تيلرسون قد أكد مراراً على دور أميركا في منع انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا وسيطرتها على مزيد من المناطق، وأشار أن ذلك يحافظ على نفوذ الولايات المتحدة في أي تسوية محتملة للحرب في سوريا، وبحسب صحيفة "Politico" الأميركية فإن إسرائيل تؤيد هي الأخرى بقوة مواجهة الولايات المتحدة للنفوذ الإيراني في سوريا.
وسابقاً عطلت الولايات المتحدة مشروعاً إيرانياً لإقامة ممر بري ينطلق من الأراضي الإيرانية مروراً بالعراق إلى شمال شرق سوريا، مروراً بحلب وحمص وانتهاء بميناء اللاذقية على البحر المتوسط.
وبحسب صحيفة "الغارديان" فإن إيران اضطرت إلى التراجع عن ذلك الممر، بسبب وجود قوات أميركية في شمال شرقي سوريا، في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، حيث رأى الإيرانيون في تجمُّع القوات الأميركية ردعاً لطموحات طهران.
ولذلك قررت إيران نقل ذلك الممر جنوباً بمسافة نحو (225.31 كم) لتجنُّب تجمُّعٍ للقوات الأميركية، وكانت مدينة الميادين التي تواجَد فيها تنظيم "داعش" محطة رئيسية لتحقيق المشروع الإيراني.
وانتقد مقال لـ فريدا غيتيس نشرته شبكة "Cnn" الأميركية، الأربعاء 28 مارس/ آذار 2018، سياسة ترمب في سوريا، وقالت إنها أسوأ من سياسة أوباما، مشيرةً أن تلك السياسة جعلت من إيران وحلفائها لا سيما "حزب الله" أكثر قوة وتأثيراً عند حدود الأردن، وإسرائيل، حليفتي الولايات المتحدة.
ولذلك فإن سحب ترمب للقوات الأميركية من سوريا قد يسمح لإيران بمزيد من التحرك داخل البلد الممزق، وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول الكبرى لحصد أكبر قدر من النفوذ.
وفي ذات السياق، نقل موقع شبكة "Cnn" الأميركية عن مصدر من البنتاغون ومطلع بشكل مباشر على الحملة الأميركية على "داعش"، قوله إنه "من غير الواضح ما قصده الرئيس ترمب بتصريحاته عن سحب القوات الأميركية من سوريا"، لافتاً إلى أن تقييمات الجيش تشير بوضوح إلى أن الوقت الحالي ليس وقتاً للانسحاب، آخذين بعين الاعتبار التحديات العديدة في سوريا.
وأشارت صحيفة "Politico" إلى أن ترمب يرتكب نفس الخطأ الذي انتقد عليه رئيس أميركا السابق أوباما، وقالت إن ترمب عندما كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة ألقى باللوم على سلفه لطريقة التعامل مع "داعش"، قائلاً إن "أوباما كان متسرعاً للغاية في سحب القوات الأميركية من العراق".
أميركا والأكراد
وتنتشر معظم القوات الأميركية في سوريا بالمناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ومن بينها مدينة منبج الواقعة غرب نهر الفرات، والتي طالبت تركيا مراراً من أميركا بسحب قواتها منها، قبل بدء أنقرة في عملية عسكرية لإخراج المقاتلين الأكراد من المدينة.
ومن شأن سحب القوات الأميركية من مناطق القوات الكردية أن يضع الأخيرة في وضع صعب، حيث توفر القوات الأميركية الحماية لنفسها ولحلفائها الأكراد من أي هجمات قادمة من النظام أو "داعش" أو غيرهما من الأطراف العسكرية بسوريا، كما حدث في فبراير/شباط الماضي عندما قصفت أميركا قوات من المتعاقدين الروس، خلال محاولتهم التقدم نحو حقل نفطي في دير الزور، وأسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن 300 روسي، بحسب وكالة رويترز، وصحف غربية.
وعلى الرغم من أن شيئاً من الضبابية يلف قرار الرئيس ترمب بسحب قواته من سوريا، إلا أن تكهنات أثيرت بأن الولايات المتحدة قد تتخلى عن المقاتلين الأكثر فاعلية الذين دعمتهم على الأراضي السورية بعد طرد داعش من الرقة وغيرها من المراكز الحضرية، وفقاً لصحيفة "thedailybeast" الأميركية.
وزاد هذه التكهنات أن الولايات المتحدة لن تستطع إيقاف العملية العسكرية التي بدأتها تركيا وفصائل من المعارضة السورية في يناير/كانون الثاني الماضي ضد القوات الكردية في مدينة عفرين، وانتهت المعركة بسيطرة الجيش التركي والمقاتلين السوريين المتحالفين معها على المدينة.
وعند حديث ترمب عن انسحاب قواته كان بادياً عليه امتعاضه من كم الأموال التي دفعتها أميركا في الشرق الأوسط، وخلال السنوات الماضية قدمت أميركا دعماً عسكرياً ومادياً كبيراً للقوات الكردية في سوريا، ومع التوجه الجديد في سياسة ترمب فإن هذا الدعم للأكراد أصبح على المحك.
هل تلعب فرنسا دور أميركا مع أكراد سوريا؟
ووسط القرار المفاجئ للرئيس الأميركي بسحب قواته من سوريا، بدت فرنسا وكأنها مستعدة لملء الفراغ الذي قد تتركه واشنطن في سوريا خصوصاً بدعمها للأكراد، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوفد من قوات "سوريا الديمقراطية" التي يهيمن عليها الأكراد دعم باريس لمسعى إعادة الاستقرار إلى شمال شرق سوريا في مواجهة "داعش".
وقال مسؤولون أكراد إن ماكرون عبر عن التزامٍ بإرسال قوات إلى المنطقة، وبحسب الإليزيه، أعاد ماكرون التأكيد على "أولوية هذه المعركة (ضد داعش)، مع استمرار التهديد الإرهابي"، الأمر الذي يشير إلى مزيد من الانخراط الفرنسي في سوريا.
وفي حديثه لوكالة رويترز بعد لقائه بماكرون، قال خالد عيسى العضو في "الوحدات الكردية"، إن ماكرون تعهد بإرسال مزيد من القوات إلى المنطقة وتقديم المساعدات الإنسانية والضغط من أجل التوصل لحل دبلوماسي للصراع.
وأضاف: "ستكون هناك تعزيزات للمساعدة في تأمين المنطقة من هجمات الدولة الإسلامية ومنع عدوان خارجي"، وفق قوله.
إلا أن الرئاسة الفرنسية رفضت التعليق على ما إذا كانت باريس سترسل قوات إلى سوريا. بيد أنها قالت في بيان إن ماكرون يعرض الوساطة بين الجانبين (الأكراد وتركيا)، بالنظر إلى أن قوات "سوريا الديمقراطية كانت قد نأت بنفسها عن حزب العمال الكردستاني الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، بحسب تعبيره.
وكان ماكرون التقى أمس الخميس وللمرة الأولى بوفد ضم ممثلين عن وحدات "حماية الشعب" الكردية، التي تحاول تركيا إبعادها عن حدودها، وذراعها السياسية حزب الاتحاد الديمقراطي، ومسؤولين مسيحيين وعرباً.
وجاءت زيارة الوفد الكردي لباريس متزامنة مع قرار الرئيس ترمب بسحب قواته من سوريا.
وقدمت فرنسا، شأنها شأن الولايات المتحدة، السلاح والتدريب لمقاتلين أكراد ضد "داعش"، كما لديها عشرات من أفراد القوات الخاصة في المنطقة، الأمر الذي أغضب تركيا.
توتر محتمل
ومن شأن دعم فرنسا للقوات الكردية في سوريا أن يتسبب بتوتر بين أنقرة وباريس، إذ تعتبر تركيا القوات الكردية خطراً على أمنها القومي، وكان دعم الولايات المتحدة لهذه القوات سبباً رئيسياً لتأزم العلاقات بين تركيا وأميركا.
وفي أول رد فعل تركي على عرض باريس للوساطة بين أنقرة والأكراد، قال الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن بلاده ترفض دور فرنسا.
وأضاف قالن إن الرئاسة التركية "ترفض أي جهد يهدف إلى تشجيع حوار أو اتصالات أو وساطة بين تركيا وهذه المجموعات الإرهابية".
ترمب طلب الأموال للخروج من سوريا
يذكر أنه قبل أسبوعين من إعلان الرئيس الأميركي أمس الخميس عن سحب قواته من سوريا، قالت صحيفة "Washingtonpost"، إن ترمب اتصل مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وطلب من الملك 4 مليارات دولار مقابل سحب القوات الأميركية من سوريا، والعثور على مخرج للولايات المتحدة من هناك.
وأشارت الصحيفة إلى أن البيت الأبيض يريد أموالاً من المملكة ودول أخرى للمساعدة في إعادة بناء واستقرار الأجزاء السورية التي حرَّرها الجيش الأميركي وحلفاؤه المحليون من تنظيم "داعش".
وأضافت أن ترمب يهدف في مرحلة ما بعد الحرب إلى منع الأسد وشركائه الروس والإيرانيين من المطالبة بهذه المناطق، وإلى منع "داعش" من إعادة تنظيم صفوفه.
وسادت توقعات بأن اللمسات النهائية على الاتفاق، ستوضع خلال زيارة ولي عهد السعودية إلى أميركا (التي وصلها يوم الثلاثاء الماضي 20 مارس/آذار 2018). وجاء إعلان ترمب عن سحب القوات الأميركية من سوريا، خلال وجود بن سلمان في الولايات المتحدة.
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن السعودية تشكك في المبلغ الكبير المقترح من السلطات الأميركية، وأنه بالنسبة للرياض فإن هذه المساهمة المالية تصب في الأهداف التي تقول السعودية إنها تشارك بها واشنطن، والمتمثلة في العمل على الحد من سلطة الأسد وخفض أو تقليص النفوذ الإيراني.