الانقلاب الذي لا يترنّح

تخدير الناس بالأماني الكاذبة قد يمنحهم شعوراً مؤقتاً بالراحة، لكن ستكون صدمتهم قاسية مريرة وسيلعنون وقتها كل مَن ضحك عليهم وخدعهم وأعطاهم أحلاماً كاذبة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/25 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش

طلب منّي صديق عزيز ألا أنشر الأوضاع المحبطة عن مصر؛ لأن الناس تبحث عن الأمل وليس الصورة القاتمة التي تكون في بعض مقالاتي.

قلت له: بكل تأكيد الناس تحتاج إلى الأمل لكن ليس الأمل الكاذب، ليس السراب الذي يستيقظون على حقيقته دون استعداد أو نظر.

أذكر أنه قبل الانقلاب باسبوع طلب منّي قيادي في حزب سياسي شهير ورقة تقدير موقف عن الأزمة وتصاعُدها، فقلت له: نحن أمام انقلاب عسكري دموي في الطريق أسوأ من أيام عبدالناصر، وطلبت منه إمّا قفزة كبيرة إلى الأمام أو قفزة كبيرة إلى الخلف بخطوات محددة.

فكان الرد أن ورقة تقدير الموقف تشاؤمية، وأن موضوع تظاهرات 30 يونيو/حزيران لن تكون سوى بالضغط على الرئيس وأن ينصرفوا إلى منازلهم.

بعد بيان الجيش الأول قلت لهم: هذا تأكيد لكلامي، فقال لي نصاً: نحن نرى جوانب إيجابية في البيان وكفاك تشاؤماً!

طبعا أنتم تعرفون أين هو الآن؟
ليلة فض الاعتصام دخلت الميدان الثانية عشرة صباحاً، ولاحظت حركة غير عادية في الميدان فتوجهت إلى أحد القيادات الميدانية وسألته: هل من جديد؟

فقال: نتوقع أن يكون الفض اليوم.
قلت له: وماذا ستفعلون؟ قال: سنزيد الحراسة على البوابات بحيث تكون نصف قوة الاعتصام في الحراسة ونصف الآخر سينام؛ لأن هناك تظاهراً في الصباح أمام الوزارات.

فقلت له مندهشاً: أنت متأكد من كلامك؟ فقال: نعم… فقلت له: إذا كان هناك نية حقيقية للفضّ فالخيمة التي نحن فيها لن يكون لها أثر بعد ساعات من الآن، فابتسم ابتسامة الحكيم العالم ببواطن الأمور، وربت على كتفّي، وقال: لا تقلق سينصرفون كما جاءوا.
فانفعلت وقلت له: الجيش لن يعود منهزماً؛ لأن هذه بالنسبة له معركة حربية، وهزيمته فيها تعني سقوط الانقلاب وانكسار هيبته، لا بد من رد فعل مختلف تماماً، واقترحت عليه عدة استراتيجيات.
فقال لي: لا تقلق سوف نتصدى له، وعندما يرون صمودنا سيتراجعون، فقلت له: ألم تفهموا بعد رسالة المنصة والحرس الجمهوري؟!

فسكت، فقلت له: سأحمل حقيبتي هذه وأضعها في المركز الإعلامي؛ لأن فيها أوراقاً هامة وهذا المكان لن يكون موجوداً خلال ساعات، فقال لي: المهم ألا تسبب اضطراباً للناس وقلقاً حتى يناموا جيداً!

تخدير الناس بالأماني الكاذبة قد يمنحهم شعوراً مؤقتاً بالراحة، لكن ستكون صدمتهم قاسية مريرة وسيلعنون وقتها كل مَن ضحك عليهم وخدعهم وأعطاهم أحلاماً كاذبة.

لقد ضاعت الأندلس ومضى قرون على ضياعها، وكذلك دول إسلامية كثيرة مُحيت من الوجود وأصبحت دولاً لا تمتّ للإسلام بصلة، وكانت وقت ضياعها وزوالها بها أناس صالحون يعتقدون أن الفرج قريب، وأن النصر على الأبواب، وأنها قد تمحص الحق والباطل وكانوا يرون بشارات في المنام بقرب النصر، واستقر الباطل وأصبح له دولة مستمرة لقرون عديدة.

الأمل الوحيد بعد الله الذي يمكن أن أتحدث عنه هو بالعمل واستفراغ الجهد والأسباب، أما الغفلة والدروشة والتواكل فلن تكون سوى سبب لاستقرار الانقلاب، إن لله سنناً في النصر والهزيمة لا تحابي أحداً كائناً مَن كان.

على المنتسبين للجماعات والأحزاب والحركات في مصر أن يضغطوا على مسؤوليهم ويعرفوا منهم أين الحلّ؟ وأين الطريق؟ فإمّا أن يرحلوا ويُفسحوا المجال لغيرهم، أو يتحملوا نتائج صمتهم عليهم أمام الله وأمام الأجيال القادمة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد