مسيرة العودة قوة إسناد ورَدِيف للفعل المقاوم

أثبتت الأحداث أن الضمير الجمعي الفلسطيني عندما يُستفز في لحظة معينة كيف ينجح ويخلق مناخاً متألقاً للمقاومة بكافة أشكالها؛ لذلك مسيرة العودة الكبرى اليوم تجسد أهم رديف وأكثره فاعلية في إسناد كل أشكال المقاومة الأخرى

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/19 الساعة 07:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/19 الساعة 07:09 بتوقيت غرينتش

عندما يسعى الاحتلال وأعوانه لتغيير الواقع الفلسطيني والقضاء على الثوابت، سوف يمارس الشعب إرادته في هبّة جمعية، معلناً قراره بالتمسك بوطنه كاملاً وحقه بالعودة إلى قراه ومدنه التي هُجّر منها، هذه المسيرة يجب أن تكون بمثابة انتفاضة شعبية عارمة، وهي مسيرة ضرورية وواجبة حُددت مهمتها بمهمة خطيرة الشأن، ورداً منطقياً على ما يحصل من قهر للشعب الفلسطيني، ومحاولات استهدافه في كل الساحات، وبالأخص قطاع غزة.

هم يعتقدون أنه آن الأوان للانقضاض على الشعب الفلسطيني لتحقيق صفقات القرن، ولم تعِ قوى الظلم والعدوان أن هذا الصمت ما هو إلا السكون الذي يسبق العاصفة، وأن هذا الشعب قادرٌ على قلب صفقاتهم بوحدته ووعيه.

أثبتت الأحداث أن الضمير الجمعي الفلسطيني عندما يُستفز في لحظة معينة كيف ينجح ويخلق مناخاً متألقاً للمقاومة بكافة أشكالها؛ لذلك مسيرة العودة الكبرى اليوم تجسد أهم رديف وأكثره فاعلية في إسناد كل أشكال المقاومة الأخرى، وعلى رأسها المقاومة المسلحة.

إن هذا النمط من المقاومة لا يجوز عزله عن مقاومة شعبنا للاحتلال، خوفاً من تجيير "المصطلح" لصالح ربط المقاومة المسلحة بالعنف والإرهاب، ولن نناقش – هنا – مشروعية المقاومة المسلحة في مواجهة عنف العدوان والاحتلال وكونها أرقى شكل من أشكال المقاومة؛ لكوننا لسنا بحاجة إلى إثبات شرعيتها، كما أننا لسنا بصدد إعادة الحوار فيها، وهي المحور الوطني الرئيسي الذي صاغ مشروعه التحرري منذ اليوم الأول للاحتلال، وإلى لحظة التحرير والعودة المنشودة، إن شاء الله.

مسيرة العودة هي رديف للفعل المقاوم العسكري، التي قد تنجز أحياناً مهامها بشكل أمضى وأسرع من المقاومة المسلحة في حيز محدد من مساحة النضال الشاسعة، وفقاً للظروف التي تفرضها الوقائع على الأرض، نعترف بأن المقاومة الشعبية وفورات الضمير الشعبي قد ترتبط قوتها وسطوتها بردة فعل إزاء واقعة بعينها، لهذه الواقعة تأثير مستفز للجموع؛ لذا يجب استغلال حالات الاستفزاز التي تعيشها القضية الفلسطينية من نقل السفارة الأميركية للقدس وتغوّل الاستيطان على الأرض الفلسطينية، والضغط الذي يمارس على قطاع غزة للتخلّي عن مقاومته وسلاحه والسير في مسارات مشبوهة، كل ذلك لو استغل استغلالاً صحيحاً قد ينتج عن هبّتها انتفاضة عارمة كانتفاضة الحجارة الأولى وانتفاضة الأقصى.

العدو الصهيوني راكم الخبرات، وابتكرت وسائل لئيمة مختلفة لإجهاض غضب الشارع، وبمستوى أكثر عنفاً، فإنه لا يمتنع عن خوض مواجهات عنيفة، وقد يعتمد العدو على جميع الوسائل القذرة لقمع الحراك الجمعي، وشق صفوفه، وإشعال الفتنة فيه، والاعتماد على التخويف والتهديد، ولأن الاحتلال بحد ذاته مشروع مضاد للحياة، فإن الشعب الفلسطيني يكشف وسائل العدو مهما حوصر بسياسة التخويف وآلياتها.

ولأن الشعب الفلسطيني حالة تاريخية ترتكز على الثوابت الوطنية التي هي ضميره الجمعي، فإن العوائق التي توضع أمامه لضعضعة دوره في ممارسة إرادته الجمعية، ذات تأثير وقتي، ينتهي تأثيرها بعجز القوى المضادة عن إدامتها، ولقدرة الشعب من جانب آخر على تجاوزها بدوافع التحدي العميقة المغروسة في ضميره، والأدلة التاريخية المعاصرة كثيرة حولنا وفينا.

قد يتهيأ لبعضنا أن المقاومة المسلحة قد خفتت تحت قوة وعسف هجمة العدو وسيطرته على الضفة بإسناد من زمر التنسيق الأمني، مما انعكست نتائجها على إرادة الحالة الشعبية الفلسطينية؛ حيث يجد ذلك البعض أنها اليوم تعيش حالة يأس أو ملل جعلها تذعن لإرادة العدو، والزُّمر المتعاونة معه.

إننا ندرك نحن الذين نعيش الحالة الفلسطينية ونتنفس برئتيها، كيف تتعرض البيئة المقاومة للانكماش والتمدد في خضم التحديات التي تواجهها والمؤامرات التي تحاك ضدها، باتكاء العدو على نقاط الضعف فيها ثم التآمر عليها وضربها، وهنا فإن البيئة الحاضنة، أي: البيئة الشعبية تجيد بدورها ممارسة الانسحاب والتكور، أو الانطلاق والتفاعل مساهمة في إنضاج عمليتَي المخاض والولادة لصالح حاجاتها، وليس لصالح الحالة المضادة لمصالحها.

عملياً فإن الضمير الجمعي الفلسطيني يتسم بوعي ثاقب، كما أن بيئة المقاومة واعية لأبعاد المعركة وما يترتب عنها من توالي الهجوم المضاد، لا سيما أن هدف المشروع الأميركي الصهيوني وعملائه هو القضاء على مفهوم المقاومة وقيمها في فلسطين وغزة على التحديد؛ ليتسنّى له ممارسة هيمنته دون أية مقاومة، وليتحول فعل الهيمنة إلى حصة شراكة في صناعة مصير المنطقة، وهذا ما ندركه جميعاً، ويعلنه المشروع الأميركي بشكل واضح ودون مواربة.

لذا استمرت المقاومة تُفاجئنا بقدرتها على الكر والفرّ ملتفّةً على موازين القوى، محمية بوعي شعبنا هذا الوعي الشعبي، الذي لم يفقد بوصلته، ولم تُعمِه أضاليل أصحاب التنسيق الأمني أو غيرها، كما تنتظر البيئة الشعبية للمقاومة فرصة اصطياد لحظاتها الزمنية المتألقة بين هبَّة وهبَّة.

ولأن غزة هي البيئة التي حافظت على كيانها المقاوم لكل مشاريع التصفية، فإننا ندرك جميعاً أن هذه البيئة هي التي تنتج للأرض مقاومتها، وهي التي تتسلح بدوافع الثأر والشرف والكرامة وترفض غزوات الغزاة الطامعين ولا تفرط بمعطيات الأرض والوجود، وهي التي حمّت القضية الفلسطينية من مخططات التقسيم.

لأن ذلك ما يتنافى وبنية غزة، المتمسكة بقيمها، سلاحها في البقاء؛ لأنها لصيقة بالأرض، فكيف تتناغم قيم الشرف والنخوة والثأر مع الخيانة والمتاجرة بالأرض والعرض؟!

إن البيئة الغزية اليوم هي ركيزة أساسية في مسيرة العودة الكبرى السند والرديف للفعل المقاوم، وهي إجراء استراتيجي المشاركة والدعوة لها واجبة، وهي فرصة لفرض الواقع الفلسطيني على إسرائيل والإقليم والعالم، وقد تربك بعض المخططات التي ترسم الآن لقضيتنا.

ذلك يستدعي من قوى شعبنا وفصائله أن تطور أداءها بالتفاعل الواعي مع هذه القيمة؛ لتستمد منها الدعم والمساندة في إعادة تأهيل بيئة المقاومة، فمسيرة العودة التي ستنطلق من كل حدود فلسطين وفي داخلها وفي عواصم العالم، هي شكل مهم من أشكال المقاومة، ورديف له لا تقلّ في أهميتها عن الكفاح المسلح الذي هو أبلغ صور المقاومة وأقصرها طريقاً نحو العودة والتحرير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد