حكمة جلجامش.. وحماقة الأثرياء والمتسلطين!

جلجامش نصف إنسان (لأبيه) ونصف آلهة، فأمه من الآلهة الخالدة، وكان شاباً ذا قوة بدنية وعقلية تفوق قوة كل من في مدينة أوروك التي كان يحكمها.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/14 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/14 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش

جلجامش نصف إنسان (لأبيه) ونصف آلهة، فأمه من الآلهة الخالدة، وكان شاباً ذا قوة بدنية وعقلية تفوق قوة كل من في مدينة أوروك التي كان يحكمها.

ونظراً لصلفه وقسوته في التعامل مع شعبه، اشمأز منه المواطنون في أوروك، وتمنوا أن تبعث لهم الآلهة نداً له ليلتهي به جلجامش ويرتاحوا من قسوة تعامله معهم!

ولم تخيّب الآلهة ظنهم، فقد أرسلت لهم أنكيدو الذي عاش في الغابات مع الوحوش إلى أن أغرته إحداهن للعيش في المدينة، وتعرف عليه جلجامش بعد أن سمع عن سيرته الغريبة.

واصطنع أنكيدو سبباً للاقتتال ليثبت أنه ند لجلجامش، وبعد هذه المواجهة العدائية، أصبح جلجامش وأنكيدو صديقين حميمين. ونتيجة لهذه الصداقة أرخى جلجامش قبضته على مواطنيه، وأشعرهم بالمحبة والاهتمام الصادق.

كان لدى جلجامش أفكاره عن الحياة والموت، فباح بها لصديقه المقرب أنكيدو، وأخبر أنكيدو أنه يريد القيام بأعمال عظيمة تخلد ذكره بعد مماته، فوافق أنكيدو.

وانطلق الصديقان في مغامرتين عظيمتين، قتلا فيهما اثنين من مساعدي الآلهة، مما أغضب مجلس الآلهة الذي قرر قتل أحدهما عقوبة لما ارتكباه بحق الآلهة! فوقع الاختيار على أنكيدو الذي أمرضته الآلهة مرضاً قاتلاً أدى إلى وفاته.

حزن جلجامش بشدة لوفاة صديقه أنكيدو، وبدأ جدياً البحث عن النبتة التي تعيد الشباب وتقضي على الموت، فعرف مكان الحكيم أوتنابشتيم وهو الإنسان الوحيد الذي منحته الآلهة الخلود من دون البشر لصنيع رائع قام به وهو إنقاذ حياة الأنواع من الحيوان والنبات بإيوائهم في السفينة أثناء الطوفان.

وبعد مغامرات تشيب لها الولدان، وصل جلجامش إلى الحكيم أوتنابشتيم الذي أخبره بمكان النبتة بعد توسّل زوجته له من أجل ألا يعود جلجامش خالي الوفاض بعد اجتياز التحديات الهائلة للوصول إليهم، وأخيراً غاص جلجامش في المحيط وأخرج النبتة وفرح فرحاً خيالياً.

عاد جلجامش ومعه نبتة الشباب التي نوى أن يوزع بعضاً من أجزائها على كبار السن في أوروك قبل أن يأكل منها هو عندما يكبر.

وبعد التعب قرر أن يرتاح قرب بركة ماء فنام قليلاً، وبعد أن قام من نومه نزل البركة ليسبح لإزالة آثار التعب، وترك النبتة التي شقي من أجل الحصول عليها عند ملابسه.

وعندما خرج من البركة لم يجد النبتة، ورأى حية تجري بسرعة تاركة جلدها القديم، الحية عادت للشباب، وذهبت جهود جلجامش أدراج الرياح، وأصيب بخيبة أمل لا مثيل لها!

أيقن جلجامش بعد ضياع أمله في الخلود أن مصير الإنسان المحتوم هو الموت، ولا شيء غير الموت، فقرر أن يخلد ذكره عند شعبه والعالم بإقامة العدل في أوروك، ومعاملة الشعب كأبنائه، وأن يبذل الجهد لتعليمهم؛ لأن العلم يجعل للحياة معنىً أفضل!

هل قرأ أحد من نخبة السلطة والمال ملحمة جلجامش؛ ليعرف سر نهايتها وغرور الرغبات الإنسانية وعبثها وبُعدها عن حقيقة الحياة التي تقتضي التآخي وفعل الخير؟!

ألم يدركوا بعد أنه لا خلود إلا للسيرة طيبةً كانت أم سيئة؟! هل أدرك حكام العرب حكمة جلجامش وحرروا شعوبهم من أسر الخوف والفقر؟ هل أخذ أي منهم نصيبه من سرقة أموال الشعوب إلى القبر؟ وهل بقيت لديهم سلطة بعد الممات؟!

تختزن نخب الثروة والسلطة كميات هائلة من الحقد على ذواتهم قبل الحقد على الآخرين، وأقول الحقد على ذواتهم؛ لأنهم لم يحرروها من الشح والأنانية والخوف من الآخرين والذعر من فقدان المال والسلطة، حتى لو لم يكونوا من المؤمنين بالآخرة، وأعتقد أنهم لا يؤمنون، فهناك تاريخ يسجل، وقد يدفع أولادهم وأحفادهم ثمن استخفافهم بإنسانية الآخرين وأهمية التعاون، ويعانون من الكراهية والحقد إلى الأبد، وربما يواجهون الانتقام في مرحلة ما.

هل أدرك ديفيد روكفلر الذي مات قبل سنة من الآن في مارس/آذار عام 2017 عن عمر ناهز 102 سنة، وبعد أن غيّر قلبه ثلاث مرات وترك خلفه تريليونات الدولارات لورثته، أنه لن يتمتع بقرش واحد بعد الموت وأن ورثته لن يعيشوا أكثر مما عاش؟

ألم ينظر إلى صورته في المرآة ويكتشف أنه حتى المقربين والورثة يشمئزون منه؟ وهكذا فعل آل روثجايلد الذين يمتلكون تريليونات الدولارات وكل المستبدين والذين يرون أنهم أحق الناس بالثروة! ألم يتركوا خلفهم عشرات الملايين من الفقراء في بلادهم، ناهيك عن مئات الملايين من الفقراء في العالم؟! لا أظن أن أحداً سيذكر ديفيد روكفلر أو روثجايلد وكثيراً من الزعماء العرب وأثريائهم بخير!

عاد جلجامش محملاً بخبرة راقية كاد يدفع ثمنها حياته، وندم على القسوة التي عامل بها شعبه من قبل، واستبدلها بخدمتهم وتنويرهم بالتعليم والعدل.

بينما يعيش معظم شعوب الأرض وحتى فيما يُسمى الغرب الديمقراطي وكأنهم في معسكرات اعتقال، يتفنن الطغاة في تغييب الشعوب بالإعلام، والبحث عن وظيفة، والبحث عن متعة عابرة بقصد غسل أدمغتهم حتى تتيقن الشعوب وتؤمن أنها لم تعلم من آلهة لها غير هؤلاء السيكوباتيين (المختلين عقلياً) psychopaths التي تقطر الشمبانيا من شفاههم ودماء الشعوب تقطر من أصابعهم وقوانينهم!

لنتخيل شخصاً ما يملك عدة تريليونات أو ربما عشرات التريليونات أو حتى المليارات من الدولارات، ولا يدفع الضرائب ولا أحد يعرف أين يسكن وماذا يعمل، كيف يكون هذا؟ هذا في الغرب من أمثال روثجايلد وروكفلر، وجورج بوش وجون كيري! أما في الوطن العربي فالمئات يملكون على الأقل عشرات المليارات من الدولارات، ولا نعرف كيف أتوا بهذه المليارات أيضاً، وإن جاءت بجهد هؤلاء السيكوباتيين من عرب وعجم، فالملايين على استعداد لبذل عشرة أضعاف ذلك الجهد، مقابل واحد بالألف مما يحصلون عليه!

هل من العدل أن أعمل 8 ساعات في اليوم وأحصل على ألف دولار في الشهر، بينما يعمل غيري ساعة واحدة، ربما في الشهر، ويحصل على مليون دولار يومياً؟!

حطمت نخبة الثروة والسلطة كل أمل بحياة عادلة مستقرة، بل عملت وربما نجحت بتحويل البشر إلى روبوتات (بشر آليين) لا يتمتعون إلا بالتوافه لتبقى النخبة المفترسة على رأس السلطة والثروة! يستغلون اليوم مزاعم الإرهاب التي اخترعتها استخباراتهم لينهبوا ثروات الشعوب الأخرى من بترول وغاز وذهب وليثيوم، ليس لتجييرها لشعوبهم فحسب، بل لتجيير معظمها لشركاتهم الخاصة! إنهم مصاصو دماء بثياب بشر، في ثمانينيات القرن الماضي، أعدمت أميركا مئات الآلاف من أطنان القمح في المحيط كي لا ينخفض سعره!

فليقف الجميع على خط واحد كما يقف متسابقو الركض قبل أن تنطلق إشارة بدء السباق، أو كما يبدأ دوري كرة القدم؛ حيث جميع الفرق تملك صفراً من النقاط، ثم تجتهد لكسب النقاط حسب جهدها! المتعة تتسع للجميع، والعدل يسوّر الحياة بالمحبة والأمن والأمان والسعادة! إلا أن الخلل يكمن فيمن يرى السعادة والمتعة في قهر الآخرين وإذلالهم، وهؤلاء فارغون من الداخل ومعقدون، إنهم نخبة الثروة والسلطة، السيكوباتيون أو المختلون عقلياً الذين أشرت إليهم قبل قليل!

المال في البنوك والشركات التي يعمل بها مئات الألوف لينتجوا المليارات لشخص واحد ويأخذوا ما قد لا يكفي لعيش كريم.

لقد استخدم لصوص العلم كل ما اكتشفوه في مجالات علم النفس والأعصاب لتخدير البشر وتغييبهم، حتى رضيت الشعوب بأن يكونوا فعلاً كالدواجن! يختبئ هؤلاء الوحوش، السيكوباتيون في بدلات أنيقة وربطات عنق ذات ألوان زاهية، وقلوبهم تمتلئ أنانية وحقداً وجشعاً ونهماً للمال لا مثيل له.

ظننت من زمن أن التمرد على الواقع قادم، ولكنه اليوم سراب، فالبشر لم يعودوا بشراً بل دواجن!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد