إصلاح ما أفسده ترامب.. مهمة تيلرسون في إفريقيا

من خلال هذه الجولة تحاول الولايات المتحدة الأميركية تأمين مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في القارة، وأيضاً محاربة التنظيمات الإرهابية التي بدأت تهدد مصالحها في القارة، وخصوصاً الجزء الغربي منها

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/13 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/13 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش

تصريحات كثيرة أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسبّبت في تأزيم علاقات بلاده بشعوب العالم؛ حيث كان تصريحه الذي وصف فيه الدول الإفريقية وهايتي بأنها "حثالة" من أكثر التصريحات غرابة وإثارة للرأي العام العالمي، ومعلوم أن هذا التصريح تسبب في ردود فعل قوية في بعض الأوساط الإفريقية، ما دفع بعضها إلى المناداة بقطع العلاقات مع أميركا، وبالطبع تصريحات كهذه تؤثر في مكانة الولايات المتحدة في قلوب الأفارقة، والذين ينظرون إليها بمثابة موطنهم الثاني، فضلاً عن أنهم يعتبرونها من أكبر الدول الداعمة للتنمية المستدامة في القارة.

وبالطبع هذه التصرفات والسلوكيات المنافية للأعراف الدبلوماسية أدت إلى حالة من الشك في أهلية دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، حتى مؤخراً أجرت له فحصاً كاملاً للتحقّق من صحته البدنية والعقلية، ولكن أظهرت نتائج الفحص أن ترامب كامل اللياقة البدنية والعقلية لحكم البيت الأبيض.

وإذا ما بحثنا في السبب الذي يدفع ترامب إلى القيام بتصرفات تُدمر ما بنتهُ أدوات القوة الناعمة الأميركية في القارة السمراء والعالم أجمع، يمكن التخمين بأن ثقة الرجل في قدرات وزير خارجيته ريكس تيلرسون الدبلوماسية لعلها كبيرة، في إمكانية إصلاح ما خربته سلوكياته وقراراته غير المدروسة.

فمثال لتصرفاته ، تعجّلهُ في إبداء رأيه حيال الأزمة الخليجية – القطرية والانجرار وراء خطط دول المقاطعة الأربع، والحكم على قطر بأنها ترعى الإرهاب، ولكن تدخل تيلرسون وتداركه للموقف وأخذه لقرار دعم الوساطة الكويتية، أفلح في إنقاذ أميركا من الدخول في مأزق خطير، قد يؤثر على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وبعبارة أخرى فإن الخطأ الذي ارتكبه ترامب بدعمه للرباعي العربي تداركه تيلرسون من خلال مباركته للوساطة الكويتية، ودعوته لأطراف الخلاف لحل المشاكل بالطرق الدبلوماسية.

وانطلاقاً مما تقدم، يمكننا القول: إنه من خلال جولة ريكس تيلرسون الحالية للقارة السمراء، والتي يرى كثيرون أنها جاءت متأخرة، تسعى الدبلوماسية الأميركية إلى إعادة العلاقات الإفريقية – الأميركية إلى سابق عهدها، وإزالة الجمود الذي شابها في الفترة الأخيرة، فضلاً عن أن هناك أسباباً أخرى تأتي في إطار استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي أعلنها ترامب قبل شهور، ألا وهي محاربة النفوذ الصيني المتعاظم في القارة والعالم.

وتأسيساً عليه يمكن القول إن هدف جولة الوزير تيلرسون الرئيسي هو تشكيل جبهة أفروأميركية تتمكن من خلالها من الحد من النفوذ الصيني في القارة.

وبالتالي يمكن النظر لقرار رفع العقوبات عن السودان الأخير في سياق المساعي الأميركية إلى تكوين هذا الحلف، والهدف من تكوينه هو محاربة التغول الصيني في القارة.

وأيضاً من الأهداف غير المعلنة لهذه الجولة، مضايقة النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية، وخصوصاً في دول الساحل الغربي، ويمكننا استنباط ذلك من خلال الزيارة المتوقعة لجمهورية تشاد؛ حيث سيعتبر ريكس تيلرسون أول وزير خارجية أميركي يقوم بزيارة دولة تقع تحت النفوذ الفرنسي، وعليه من الجائز أن نقول: ربما بعد هذه الزيارة صراع النفوذ الأميركي – الفرنسي في القارة سيظهر إلى العلن، ما سنشهد تداعياته الأمنية والاقتصادية والسياسية على دول القارة.

وعطفاً على ما سبق، ومن خلال هذه الجولة تحاول الولايات المتحدة الأميركية تأمين مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في القارة، وأيضاً محاربة التنظيمات الإرهابية التي بدأت تهدد مصالحها في القارة، وخصوصاً الجزء الغربي منها، تعد من أولوياتها، ومن أجل هذا الغرض ستقوم بإنشاء قواعد عسكرية تزاحم بها النفوذ العسكري الفرنسي، ومثال تشاد يعبّر عن ذلك؛ حيث نرى اليوم التواجد العسكري الأميركي بشكل يزعج فرنسا هناك، وقطعاً هذا التسابق بين القوتين العظميين سيؤثر على القارة بأشكال شتّى، كما ذكرنا في أعلاه.

حاصل القول، ومن خلال استقراء الجولات الأخيرة التي تشهدها القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال جولة تيلرسون الحالية، وقبلها قام الرئيس التركي بجولة ضمت أربع دول، وقبلها بفترة أيضاً جولة أمير قطر وغيرها، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية القارة السمراء لدى كل الفاعلين في السياسة الدولية.

وعليه، هذا الاهتمام المتزايد سينعكس على الأوضاع في دول القارة بشكل إيجابي أو سلبي، مع ترجيحنا بأن تكون التداعيات غير إيجابية بحكم تجربة منطقة الشرق الأوسط؛ حيث يعتبر التدافع الدولي والإقليمي عليها من أكبر المهددات والمؤثرات على استقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني.

وبالتالي يجوز القول بأن صراع النفوذ الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على القارة الإفريقية ستكون نتائجه غير إيجابية، والذي بدأنا نشهد إرهاصاته في أجزاء مختلفة من القارة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد