الأسرى الفلسطينيون.. نماذج فخر خلف قضبان القهر

لم يستسلم الأسرى، فبالرغم من الصورة القاتمة عن السجن، فقد تحول لمصنع إنتاج الرجال والأفكار، فالنماذج الإبداعية كثيرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/05 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/05 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش

الحديث في قضية بسيطة، أمر بسيط، لكن الحديث عن قضية الإنسان الذي ضحّى بزهرة شبابه من أجل دينه ووطنه، فالأمر ليس بالسهل، بل هو عبارة عن رحلة غوص في بطن اللغة لاستكشاف ما يليق بهذا الإنسان من معاني العزة والنخوة والكرامة.

يقال إن حب الوطن نصف انتماء، وتحويل هذا الحب لواقع عملي هو انتماء كامل للوطن، وكل إنسان يحب وطنه، وهذا أمر فطري، لكن تختلف نسبة الترجمة الفعلية لهذا الحب، فبعضنا يضحّي بروحه، وبعضنا بماله، وبعضنا بحريته من أجل الوطن.

ولما كان حب الوطن والدفاع عنه جزءاً من العقيدة تسارع أبناؤه للدفاع عنه، فمنهم مَن قضى نحبه وارتقى في ساحات الوغى شهيداً مقبلاً غير مدبر، ومنهم كتب الله له أن يكون أسيراً في سجون الاحتلال الصهيوني.

حيث إنه في السجن يتعرض الأسرى لأبشع أنواع القهر، فالإهمال الطبي والعزل الانفرادي والمنع من الزيارات والحرمان من النوم والتفتيش المفاجئ هي وجبات يذيقها الاحتلال للأسرى؛ كي ينغص عليهم حياتهم.

فقد ظن الاحتلال أن السجن يحوّل الأسد الهصور إلى جبان، ويسحب من دمه عنفوان الثورة وحب الوطن، ويجعله يندم على ما فعل من أجل وطنه، ولكنّ الأعداءَ نسوا أن وضعَ القيود في معاصمِ الأُسود لن يُفقدها هيبتها، ومهما طالت مدة الاحتجاز، لن يتحولَ الأسد لحملٍ وديعٍ.

في السجنِ يجتمعُ الرجال، وتتلاقى البطولات، وتُعبر الأماني عن رأيِها ورغبتِها برؤيِة النور، وتُجدد النفوس عهدها مع الإرادةِ على مواصلةِ الطريق، وهدم جدران الصمت التي يختبئ خلفها الضعفاء، في السجنِ الكل يشرب كأس العذاب مبتسماً للموتِ من أجل كرامة فلسطين، في السجنِ تختلطُ القلوب ببعضها؛ ليصبح قلبها واحداً وقِبلتها واحدةً هي فلسطين.

لم يستسلم الأسرى، فبالرغم من الصورة القاتمة عن السجن، فقد تحول لمصنع إنتاج الرجال والأفكار، فالنماذج الإبداعية كثيرة، فكثير من الأسرى حفظوا القرآن الكريم وحصلوا على السند، وحفظوا الأحاديث النبوية، وحصلوا على شهادات جامعية مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وقرأوا مئات الكتب، وكتبوا الكثير من الكتب، وها هو شيخ الأقصى رائد صلاح يقول: (والله لا أبالغ، كنتُ أشعر أن وقتي قصير، فكان اليوم يمر بسرعة، لكن بحمد الله كان لي برنامجي، فقرأت في زنزانتي الانفرادية في سجون الاحتلال لمدة تسعة أشهر 80 كتاباً، وألّفت أربعة أخرى، ونظمت 23 قصيدة).

بل إن الكثير من المعتقلين تعلموا اللغة العبرية والإنكليزية، كما تعلموا فنون الزخرفة وصناعة المجسمات، وكثير من الأمور النافعة، وهذا دليل إضافي على تحديهم للسجان الذي يريد لهم أن تضيع أعمارهم دون إنجاز، لكنهم استمسكوا بما قال الإمام ابن تيمية: (ماذا يفعل بي أعدائي، إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة)، فهم مسجونون ومقومات الخلوة بالكتب والمعرفة متوافرة، فيجب استثمار العمر إلى حين وقت التحرير.

أيها الأسرى الأبطال: لكم منا كل الشكر والوفاء والحب، فأنتم الوقود الذي نتزودُ به في رحلةِ البحثِ عن الحرية، واعلموا أنه عندما يُراد لكم أن تموتوا، فتُفاجئوا قاتلكم بأن الحياةَ بالنسبة لكم جواز سفر إلى المجدِ وليس غاية المنى، سيقفُ التاريخ لكم احتراماً وتقديراً، وسيضعُ على رأسِكم تاج المجد المرصع بالكرامة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد