زرت البصرة الطيبة منذ أيام وبدا لي أن أحزابها ترد على نفسها: تقول في برامجها الانتخابية إن الفاسد لم يدمر المدينة ثم تعود وتقول إن الفاسد لا يهتم بالمدينة بل بالعشيرة والحزب والقرية..
وكأنه كُتبَ على البصرة في القرن ٢١، أن تعيش وهي تُهدد بالموت والفساد حتى في وقت السلم.
البصرة الفاضلة ليست خزانة اقتصاد العراق التي لا حراس عليها، البصرة الفاضلة عند أهلها وجميع العراقيين هي حلم بالمدنية الكاملة. لكنها بالنسبة للبعض من حكوماتها وإداراتها هي حلم بالسرقة والنهب.. ليس إلَّا.
حكومات وإدارات البصرة لم تقم بتحويل الريفي إلى مدني، بل غزت المدينة بالريفي؛ ولم تمدن الريف؛ ولم تضبط المركز.
قرر أبناء البصرة إحياء مدنيتها ورفض بيع تسامح المدينة للكراهية الوافدة وتجار المخدرات والخارجين على القانون والفاسدين والمتجاوزين على المال العام.
البصرة المدينة التاريخية يجب أن تكون سلاحاً عقلانيّاً ضد كل ما هو قبل الدّولة. الحالة المدنية يجب أن تتخلص من حكم العشائر المخالف للقانون العراقي، وأن تغادر أسماء الفصائل المسلحة المسيطرة على ثروات المدينة والتي تأكل من طولها وعرضها.
وعلى ساسة ووجهاء وأعيان البصرة مغادرة خطاب اعتبارها المدينة الصامدة، وكأنهم لا يعرفون أن هذا الوصف يستخدم للمدن في حالة المِحن والبلايا، فمنذ عام ١٩٨٠ والبصرة في كتابات أهلها "المدينة الصامدة"، فمتى تتحول الى المدينة الباسمة وعروس الخليج العربي.
جهل إدارات وحكومات البصرة بالتخطيط والعمران وإدارة الثروات وتنميتها، جعلهم يهملون انعكاساته على تشكل البصرة الحديثة.
لقد انتهت البصرة المدينة مع عصر المخدرات والسلاح السائب وصفقات الفساد الكبيرة.
بعد عام ١٩٩١ سقطت البصرة عمرانيّاً في يد الإهمال ثم راحت إلى إهمال أكبر ثم إلى اغتصاب من مافيات الفساد ثم إلى حكم العشائر والبيوتات والفصائل ثم هانت على قادة العراق.
عملية ترييف مركز البصرة مازالت نشطة فيما بعد ٢٠٠٣، خراب البصرة هو بالأساس انتقام الفاسدين في مركز المدينة.
عودوا للماضي القريب؛ لن تجدوا بصرياً يتجول في مركز المدينة بسيارات البيك أب والكلاشنيكوف والسلاح المتوسط لفرض السيطرة وتعزيز ثرواته الحزبية والفصائلية على حساب ضوابط القانون.
العشيرة والحزب لا تتحدى مؤسسات المدينة جملة، لكنها تريد جعلها مورداً اقتصادياً وبشرياً وسياسياً تغذي به نفسها. صراعها مع مؤسسات المدينة ليس بالصراع الخلدوني "القرية والمدينة"، بل هو طموح الوافدين للسيطرة على خيرات المدينة.
عندما ترفض العشيرة المتمردة تمدن البصرة كلياً وتنهب ثرواتها وتخرق قانونها فإن التاريخ يحدد اسماً لهذا الفعل: الهمجية المتمردة. فيما عدا هذا فالعشيرة المتمردة تريد التغذي من البصرة فقط دون أن تقدم ما يجب عليها مقابل ذلك.
لا يمكن لمعظم ساسة البصرة المعاصرين إعادة إنتاج عمرانها. البصرة كانت تأريخاً عمرانياً مدنياً، وهم مشروع لترييف البصرة المدنية، ولا تزال عقليات ترييف البصرة ترى أنّ المدينة تحكم بالعشيرة؛ وهذا جهلٌ ببنيّة البصرة المدنية..
الفاسد باع الثروات وخالف القانون وتجاوز على الشوارع والممتلكات العامة والخاصة ومركز المدينة وقتل حماة وبناة المدينة، لم يشبع ولم يكل.
أسئلة لأهلنا في البصرة:
1- إلى شباب البصرة: هل كنتم تعتقدون حقاً أنه بالإمكان التغيير مع أحزاب تكرر ترشيح نفس الوجوه الفاسدة أكثر من مرة، وهل بإمكانكم إحداث التغيير بعيداً عن تلك الأحزاب المسيطرة على إعلام وأموال وسلطة البصرة؟..
2- هل يدرك أهل البصرة أن مدينتهم مريضة بالتصحر الحضري الذي اجتاحهم وحول مدينتهم من أهم مدنية عراقية بعد العاصمة بغداد إلى عشوائيات بعيدة عن الخطط العمرانية؟
3- ألم تكن الأحزاب الشيعية المسيطرة على حكم بالبصرة في البدء تراهن على جعلها عاصمة اقتصادية وصناعية للعراق، وتجعل منها أكثر عمراناً كما حدث في السليمانية وفي أربيل خاصة؟
4- لماذا فشلت السلطة القضائية والقوات الأمنية والسلطة المحلية في تشكيل جسم أمني موحد وفعال وتمكين البصرة من الاستقرار ونزع السلاح الثقيل والمتوسط من العشائر والجماعات الخارج على القانون ومكافحة عصابات المخدرات وعصابات الموانئ والگمارك؟
5- هل كان يدرك أهل البصرة أن خيرات وثروات البصرة ممنوحة لغيرهم كما حال كل محافظات الجنوب الغنية، ويبدو أنه من الممنوع تقديم المهني لإدارة البصرة إلا أن يكون فاسداً؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.