يا أبي لماذا يقتلوننا؟ لماذا تتساقط حمم حقدهم فوق رؤوسنا؟ لماذا تمزق جسد أمي وأخي قنابلهم؟ ما الذنب الذي اقترفته أيدينا حتى يكرهونا إلى هذا الحد؟ لقد قتلوا معظم أسرتنا الصغيرة، وعائلة أحمد التي تقطن في جوارنا، ألا يوجد في العالم من يدفع عنا جحيمهم؟ وهل سنظل أحياء حتى الغد؟
لا يجد الأب جواباً، يدرك جيداً أن عقل طفله الصغير لن يتقبل أن كل هذا القتل سببه عطش رجل واحد للسلطة، وأن مطالب مثل العيش الكريم الحر تصيب كل هؤلاء القتلة وداعميهم بالجنون، فيمعنون في سفك دماء ليس فقط من تصدح حنجرته بتلك المطالب، بل وحتى الذين جمعتهم معه الجغرافيا، إنهم يريدون رعايا مستسلمين بدون حول ولا قوة.
الغوطة ومن قبلها حمص وحلب وغيرهما كثير، رغم اختلاف الأماكن لم يختلف الضحية ولا القاتل ولا حتى الأسباب، على امتداد جغرافيا الجرح السوري نزفت الدماء بشتى وسائل القتل، لم يذخر النظام السوري لا براميله ولا صواريخه وقنابله في مواجهة أبناء شعبه، النظام الذي لطالما تشدق بالوطنية استنجد بكل حلفائه في موسكو وطهران، وحتى بالمرتزقة من كل مكان، وأباح لهم أرضه ودماء أبنائه، في مقابل البقاء في الحكم، أي كرسي هذا الذي يقوم فوق جماجم الأطفال والنساء والمدنيين؟
استفاد الجميع من حفلة القتل هذه، جربت روسيا مئات الأسلحة بشكل عملي في بشر من لحم ودم، وثبتت إيران أقدامها في بلاد الشام، وظفرت إسرائيل بخراب بلد عربي آخر على حدودها، وبتحسين صورتها الملطخة بالدماء بعد أن جاء من يفوقها إجراماً، نظام الممانعة الذي تحتل هي جزءاً من أرضه منذ عقود لم يطلق خلالها رصاصة واحدة اتجاهها، بينما لم يتوانَ عن سحق أبناء شعبه فور محاولتهم الانعتاق من طوقه.
مع كل المؤسسات الدولية التي تم إنشاؤها، لم يتحول العالم إلى مكان أفضل، فمجلس الأمن والأمم المتحدة المؤسستان الأهم، عجزتا أمام سيطرة الدول الكبرى عن حماية معظم شعوب العالم عندما تتعرض للعدوان، ومعظم تدخلاتها لا تكون إلا في مناطق الصراع بين الدول الصغيرة أو التي لا تدخل في أحلاف مع دول عظمى، غالباً ما يجد القاتل من يحميه، أميركا تحمي إسرائيل وروسيا الآن تحمي الأسد، ولا تستنفر هذه القوى إلا حين يتعلق الأمر بمصادر النفط، كما حدث في دير الزور مثلاً، ما أرخص دماء البشر حين لا تساوي برميل نفط.
الدول العربية الحالية هي إما مغلوبة على أمرها أو متواطئة، دعمت بداية الثورة السورية ليس؛ لأنها تريد حرية الشعب السوري، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإنما نكاية بإيران في محاولة لإسقاط حليفها في دمشق، ثم في الأخير تركوا السوريين لمصيرهم، بل وجاؤوا بنظام لا يقل دموية لسدة حكم القاهرة، لا يخفي عداءه للثورة السورية، بل وقام ببيع أسلحة للنظام.
ما نراه الآن من حراك سياسي لاحتواء الأزمة، ليس سوى محاولة لدفع السوريين للاستسلام لآلة القتل وتثبيت حكمها، فما تحصل عليه فوق طاولة المفاوضات هو ما تستطيع مدافعك الوصول إليه في أرض المعركة، لكن يوجد ما هو أسوأ من كل هذا الإجرام، وهو حملة التشفي في الضحايا والتي يكون وراءها غالباً أشخاص وحتى جيوش إلكترونية، تلجأ للتشكيك في صحة ما يحدث، هم يعلمون أن العالم أصبح قرية صغيرة، ويعلمون يقيناً أن قلة من ستصدقهم، لكن يستمرون في نشر هذا التشكيك في محاولة لخلط الأوراق، حتى في داخل إيران ورغم هذه الدعاية التي تبثها وسائل الإعلام الداخلية بدأت أصوات تندد بما يحدث، فكمية الإجرام أكبر بكثير من أن يتم تجاهلها أو تكذيبها.
سنضطر جميعاً في يوم من الأيام لرواية ما يحدث لأبنائنا، بعد أن ينجلي غبار المعارك ويوارى الشهداء الثرى، على الأقل فليكن في وجوهنا بعض من حياء لقول إننا لم نفعل شيئاً لوقف هذا الجنون، وإن العار يجللنا جميعاً، نعم نحن لم نشارك في الجريمة، لكن هولها وبشاعتها تجعل المتفرج في مقام الجاني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.