للجمعة التاسعة على التوالي خرج فتيان الضفة والقطاع والقدس، بأعداد متناقصة، احتجاجاً على اعتراف دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
أميركا وإسرائيل اهتمتا بالفعل والأمر الواقع، وتركتا للفلسطينيين والعرب التنديد والاستنكار والوعيد الذي خفت بعد الأسبوع الأول على قرار سيد البيت الأبيض.
نائب الرئيس الأميركي مايك بينس زار الكنيست مؤكداً على نهاية العام 2019 موعداً نهائياً لنقل السفارة.
في المقابل، تناست مصر الموضوع بعد أن أدت واجبها في التصويت داخل أروقة الأمم المتحدة على قرار يدين خطوة واشنطن، انشغلت السعودية "بمحاربة الفساد" ومشاريع مدينة نيوم للتكنولوجيا، وملاعبة الحوثيين لعبة القط والفأر، ومناكفة إيران، أما الأردن فيتخبط في أزمة اقتصادية خانقة، قال ملكه إن من أسبابها موقف المملكة الهاشمية من موضوع القدس.
الفلسطينيون يعرفون أكثر من غيرهم أن مصير قضيتهم بين أيديهم، وأن موقف العرب منذ 1973، لم يكن يوماً محركاً ومؤثراً في موازين اللعبة.
لأكثر من 7 سنوات قتلت إسرائيل عملية السلام بعد اتفاق أوسلو، وأغرقت أراضي الضفة والقطاع بالمستوطنات، قبل أن يفهم ياسر عرفات اللعبة ويُشجع ويُسلح انتفاضة أدارت وجه العالم صوب القضية، وبينت لإسرائيل أن لاحتلال الأرض ثمناً ستدفعه من أمنها وسلامة مواطنيها.
أربع سنوات "تزحزحت" خلالها مفاوضات السلام بتدخل أميركي حرصاً على رفاه شعب الله المختار، قبل أن يجعل شارون نفسه في حِل من اتفاق الحفاظ على سلامة ياسر عرفات الجسدية، المبرم مع جورج بوش الصغير، فيقرر "مساعدة الله" في مهمة التخلص من رئيس السلطة الفلسطينية.
أشهر بعد ذلك توفي عرفات، تاركاً منصبه لرئيس الوزراء "المفروض فرضا" محمود عباس أبومازن.
السنوات اللاحقة كانت ذهبية لإسرائيل، أكملت خلالها بناء "الجدار العازل"، ونصبت فخ "الانتخابات الديمقراطية" التي فازت بها حماس، لتدخل الحركة من حيث لا تدري دائرة الفعل السياسي العقيم. فخ لن يظهر تأثيره إلا بعد عشر سنوات "2017"، عندما غيرت حماس من وثيقتها التأسيسية ممهدة الوضع للاعتراف بإسرائيل، في خطوة سيعقبها دخول في سلسلة تنازلات قدمتها سلفاً منظمة التحرير.
الدولة العبرية نجحت في إشعال الفتنة بين شريكي الكفاح حماس وفتح بعد فخ الانتخابات؛ لتَحشُر حماس في زاوية القطاع مُحولة إياها لبلدية مهمتها تسيير القطاع وإدارة أزماته الإنسانية والاقتصادية، بينما كرست مع أبومازن مفهوم التنسيق الأمني والسياسي داخل الضفة الغربية؛ ليعيش مئات آلاف المستوطنين حياة الرفاه والأمن على الأرض الفلسطينية بحراسة من رجال السلطة الفلسطينية.
خلاصة تُظهر كيف أفلحت إسرائيل في تكريس سياسة الأمر الواقع على القوى الفلسطينية، ولا نقول الشعب الفلسطيني! قوى فشلت في إدارة الصراع المسلح مع إسرائيل التي نجحت في اقتناص القيادات إما اغتيالاً أو سجناً أو نفياً، فرُدعت الحركات وخشِي قادتها الموت، مفضلين لعبة تكسير عظام مع دولة يساندها العالم أجمع.
لتفشل ذات القوى، وفي مقدمتها سلطة محمود عباس، في إدارة الصراع دبلوماسياً مع المحتل الإسرائيلي. وإذا كانت دولة يعقوب نجحت بسياسة إعلامية ذكية طويلة النفس، في تصوير المقاومة إرهاباً في عيون الغرب، فإن تحركات السلطة تكاد تنعدم في الجانب الدبلوماسي، وهذا الدليل.
إلى الآن لا يُعتبر الشعب الفلسطيني حسب مواثيق الأمم المتحدة شعباً تحت الاحتلال. اتفاق أوسلو حول الفلسطينيين لمجموعة بشر في نزاع حول الأرض مع دولة مُعترف بها ذات سيادة هي إسرائيل. كَثُرت المرات التي هدد فيها صائب عريقات (كبير المفاوضين) بالتوجه للأمم المتحدة قصد تغيير وضع فلسطين من دولة مُراقب، لدولة تحت الاحتلال، دون أن يطبق وعيده على الأرض. النتيجة أن الشعب الفلسطيني في نظر العالم شعب مُتسول ينتظر إعانات الأونروا، والتفاتات منظمات حقوق الإنسان!
إسرائيل حسب القوانين الدولية لا تمتلك مقومات الدولة: الشعب والحدود (الأرض) والدستور. فهي لم تضع لليوم تعريفاً لمعنى المواطن، تسُنَّ القوانين تباعاً تمهيداً لإخراج صيغة المواطن الإسرائيلي الأصيل. ذات الكيان لا يملك حدوداً معترفاً بها دولياً، فأكثر من ثُلث أراضيه تحت وضع اليد (الاحتلال) حسب قرارات مجلس الأمن. أخيراً فإسرائيل بلا دستور لغاية اليوم، والقوانين التي تحكم الكيان مُنبثقة من قانون العودة المسن منذ أربعينيات القرن الماضي.
السؤال يبقى مطروحاً: هل تخفى هذه المعلومات القيمة عن رجال السلطة؟ ولماذا لا يستخدمونها لإحراج وكسب نقاط ضد إسرائيل في المحافل الدولية؟
عشرات القضايا يُمكن لأبومازن أن يتوجه بها للأمم المتحدة ومحاكم العالم بدءاً من جرائم الحرب، مروراً بقضية الأسرى والقدس واغتيال عرفات، وصولاً لإقامة مستوطنات على أراض مُحتلة، هي حسب بنود معاهدة فيينا الرابعة جريمة حرب.
ثغرات كثيرة يُمكن بها لما يُسمى "سلطة فلسطينية" إحراج العرب والعالم ووضعهم أمام مسؤوليتهم. غير أن الواقع أظهر ويظهر أن شعب فلسطين خاضع لاحتلالين: احتلال إسرائيلي خارجي، واحتلال "وطني" فلسطيني، يُسهل عمل الأول، ويُخمد أية محاولات جادة للتخلص من براثنه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.