تسونامي شباب الموصل

قربت معركة تحرير المدينة وبدأت بأحياء الجانب الأيسر من الموصل، فبعد تحرير أحياء قليلة، بدأ شباب الموصل بالنهوض للعمل التطوعي، وبدأت الفرق التطوعية بالتجمع

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/14 الساعة 01:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/14 الساعة 01:37 بتوقيت غرينتش

كما هو معروف عن شباب مدينة الموصل بأنهم من أحرص الشباب على مدينتهم وولائهم لها ولأهلها تجسّد ذلك أثناء سيطرة تنظيم داعش على المدينة، فخلال الثلاث سنوات العجاف التي مرَّت بها المدينة شهدت تدهور الحالة الاقتصادية، وكلما مرت الأشهر زاد الوضع سوءاً، فكنا نجمع الأموال بيننا ونذهب إلى السوق لشراء مواد غذائية لنوزّعها بصورة سرية، وكما هو معروف أن توزيع الغذاء دون إشراف مباشر من داعش كان ممنوعاً، ويعرّض صاحبه للاعتقال والتحقيق، فكنا نوزع ليلاً، وكأننا سرّاق خوفاً من انتباه عيون داعش علينا، حتى عندما نشتري تلك المواد نسجلها باسم محل وهمي؛ كي لا نتعرض للمساءلة أثناء مرورنا من خلال سيطراتهم الأمنية.

قربت معركة تحرير المدينة وبدأت بأحياء الجانب الأيسر من الموصل، فبعد تحرير أحياء قليلة، بدأ شباب الموصل بالنهوض للعمل التطوعي، وبدأت الفرق التطوعية بالتجمع، يروي لي عمر السعرتي من فريق (خلّوها أجمل التطوعية)، قائلاً: "كنا نخرج لتنظيف الشوارع من مخلفات المعركة، وكانت قذائف الهاون تتساقط قريبة علينا؛ لأن الأحياء المجاورة لم تتحرر بعد"، أي حماسة واندفاع يملكه ذلك الشباب؟

ويروي لي محمود كداوي، أحد الشباب الذي انفجرت أمام منزلهم سيارة ملغومة أثناء تحرير منطقتهم؛ حيث قام شباب المنطقة بإخراج المصابين من البيوت المتضررة، علماً أن القذائف وقصف الطائرات كانت قائمة في وقتها.

تحررت أكثر الأحياء وزاد نشاط الفرق التطوعية، فظهر أكثر من 14 فريقاً تطوعياً أبرزها كان فريق "خلوها أجمل"؛ حيث قام بتنظيف معظم شوارع المدينة، وكذلك إزالة رسوم التنظيم على الجدران واستبدالها برسوم تنشر الحب والتفاؤل بين الناس، بينما كان الجانب الأيمن يعاني من الجوع ونقص حاد في المواد، وإذا بشباب موصلي من خارج العراق يجمعون الأموال ويرسلونها إلى أيمن الموصل لشباب هناك يقومون بدورهم بشراء المواد وتوزيعها، حيث سقط أحد المتطوعين شهيداً من فريق "نسائم المحبة الخيرية" أثناء توزيعه للمواد، إثر سقوط قذيفة بالقرب منه.

زادت الحاجة لعودة المدينة إلى وضعها بعد الخراب؛ حيث تدمرت مدينة طب الموصل ونحو 70 بالمائة من المستشفيات والمراكز الصحية؛ حيث هرع أولئك الشباب للعمل بتنظيف المستشفيات وإعادة تأهيلها قدر المستطاع، في غياب حكومي مركزي ومحلي واضح، بعدها انتفض الشباب إلى الجامعات لتنظيف جامعة الموصل ومكتبتها المركزية المحروقة، وإنقاذ الكتب والمخطوطات داخلها، وفعلاً أعادوا الدوام إلى الجامعة، بينما قرر المسؤولون إبقاء الطلبة في الموقع البديل بمدينتي كركوك ودهوك، لكن بجهود الشباب عادت الجامعة وعاد إليها طلابها، بعدما سقط شهيدان في أحد البنايات إثر انفجار لغم عليهما، لم يكتفوا بذلك بل توجهوا إلى المدارس وبنفس الطريقة التي نظفوا بها الجامعة أعادوا الحياة إلى المدارس أيضاً.

كل ذلك والمعركة كانت قائمة في الجانب الأيمن؛ حيث يروي لي أيوب، أحد شباب المدينة القديمة قائلاً: كنا في المدينة القديمة وكانت هوايتي تضميد الجروح التي تعلمتها من عملي في المستشفى؛ حيث يقول: كانت القذائف تتساقط على المنازل والجرحى كثر، ولم يكن هناك مراكز صحية ولا مستشفيات؛ لذا قمت باستقبال الجرحى في منزلي؛ حيث يقوم والدي المسن بكتابة اسم المريض وأنا أعمل على تضميد وإيقاف النزيف وخياطة الجروح؛ لينقذ أيوب أكثر من 1500 إنسان؛ حيث يقول: إن العلاجات التي كانت معي نفدت في أول أسبوع؛ ليقوم شباب بتجميع العلاجات من الخيّرين وجلبها إلى مكان عيادتي في المنزل؛ ليستفيد منها الجميع.

وها هو أيوب الآن يقوم بحملة لإزالة الركام من المدينة القديمة بحملة سميت بـ(ثورة الدنابر) هو ومجموعة من الشباب، وكذلك قام شباب الأيمن بتوزيع المياه على البيوت؛ لأن سكان الأيمن كانوا يعتمدون على مياه الآبار التي كانت متفرقة في المناطق، فكانت العوائل تتجمع قرب الآبار للحصول على الماء، ما أدى ذلك إلى تعرضهم إلى قصف جوي، فقام الشباب عوضاً عنهم وخاطروا بأنفسهم، حتى تم إعلان بيان النصر؛ لينتفض من جديد أولئك الشباب إلى الجانب الأيمن ليعيدوا الحياة في بعض أحيائه ومدارسه وحتى المدينة القديمة وسوقها المدمرة، التي كان معظمها ملغوماً، وبجهودٍ فردية أزالوا ما يستطيعون إزالته من آثار الحرب؛ ليعيدوا الحياة إلى أول شارع في المدينة القديمة، وهو شارع خالد بن الوليد، وإلى الآن إزالة الأنقاض من المدينة القديمة مستمرة.

بعدها نشطت المهرجانات والفعاليات؛ حيث تمت إقامة مهرجان القراءة ومهرجان السلام، وتم إنشاء رصيف الكتب بالقرب من جدران جامعة الموصل، وهو رصيف ثقافي يجتمع به رواد القراءة والثقافة؛ ليتبادلوا الكتب والأفكار بشكل أسبوعي، كل هذه الجهود كانت مدنية شبابية بغياب دعم الحكومة المحلية والمركزية.

لم يقتصر دور الشباب المتطوع على التنظيف وإعادة الحياة إلى المدينة، بل شمل توزيع المواد الغذائية والعلاجات الطبية، ودفع أجور العمليات غير المتوفرة في المدينة كفريق "نينوى أولاً" و"نسائم المحبة" و"تطوع معنا" و"فزعة"، وكثير من الفرق الشبابية التطوعية.

وبقرب الانتخابات المحلية والنيابية دأب بعض الشباب للترشح لخوض الانتخابات بعد أن يئس الناس من تلك الكتل الذين كانوا كلعبة الشطرنج يتبادلون المناصب في كل دورة نيابية، وكلنا أمل بأن ينجح أولئك الشباب في خوض العملية السياسية ليترجموا للعالم بأن الموصل لن تموت.

كل هذا الأمر إن دلّ إلا شيء فإنما يدل على وعي ونمو شباب الموصل، التي تفتقر إليه باقي المحافظات التي تم تحريرها، والتي لم ينشأ بها فرق تطوعية كما شهدتها الموصل؛ لتأتي بعض الأفواه وتتطاول على أولئك الشباب الذين صنعوا الحياة وضحوا بأنفسهم وأعادوا البهجة إلى المدينة، وتتهمهم بالكثير من التهم، أولاها أنهم كانوا راضين إبان سيطرة داعش ولم يعترضوا.

أين كنتم عندما كان شباب المدينة وأهلها يُذبحون بصمت بسكين الإرهاب؟
أين كانت أصواتكم وأفعالكم آنذاك؟

ستُخلّد تلك المدينة بأزقتها القديمة أسماءكم وأفعالكم بأن أصبحتم شباباً كشباب هيروشيما وبرلين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد