توسط وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، للمصالحة بين الفريق سامي عنان الرئيس الأسبق لأركان القوات المسلحة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته للقاهرة، التي انتهت الإثنين 12 فبراير/شباط 2018؛ لإنهاء خلاف تسبب في احتجاز عنان داخل السجن الحربي.
وقال مصدر عسكري مصري، رفض الكشف عن هويته؛ لحساسية موقعه، لـ"عربي بوست"، إن زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، لمصر يومي الأحد والإثنين، 11 و12 فبراير/شباط 2018، تضمنت محاولة للصلح بين الفريق سامي عنان من ناحية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقيادات الجيش من جهة أخرى.
معوقات المصالحة
وأوضح المصدر أن المشكلة الرئيسية التي تعوق عملية الصلح، هي أن كلا الطرفين "رافض الالتقاء في المنتصف"، وهو ما يعقّد الأمور. وذكر أن عنان متمسك برأيه بصورة كبيرة، وطلب "ترضية كبيرة" لا يستطيع الطرف الآخر الموافقة عليها.
واعتقلت قوات الأمن المصرية في 23 يناير/كانون الثاني 2018، رئيس الأركان السابق الفريق، سامي عنان، على خلفية إعلانه الترشح للرئاسة.
واعتبرت السلطات المصرية إعلان الفريق سامي عنان ترشُّحه للرئاسة تحريضاً صريحاً ضد القوات المسلحة "بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب".
واستدعت القيادة العامة للقوات المسلحة عنان للتحقيق معه؛ "لارتكابه مخالفات قانونية" تتعلق بإعلانه الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار 2018، وزجت به في السجن الحربي.
واتهمت القيادة العامة عنان بارتكاب "جريمة التزوير في المحررات الرسمية، وبما يفيد إنهاء خدمته بالقوات المسلحة على غير الحقيقة"، وهو "الأمر الذي أدى إلى إدراجه في قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق".
وأضاف البيان أنه "إعلاءً لمبدأ سيادة القانون، باعتباره أساس الحكم في الدولة، فإنه يتعين اتخاذ الإجراءات القانونية كافة حيال ما ورد من مخالفات وجرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق المختصة"، ووصف البيان عنان بأنه يحمل رتبة "فريق مستدعى".
وزاد المشهد تعقيداً إعلان المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات وأحد أبرز الداعمين لترشُّح عنان للرئاسة، في مقابلة مع "عربي بوست"، أن الفريق لديه العديد من الوثائق التي أرسلها للخارج والتي تدين قيادات بالدولة وعسكريين كانوا مسؤولين عن فترة إدارة المجلس العسكري إبان ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
زيارة تيلرسون
وتاتي زيارة تيلرسون لمصر وسط حالة من الفتور بين وزير الخارجية الأميركي ومصر؛ إذ لم يزر تيلرسون مصر، التي تُعد حليفاً للولايات المتحدة منذُ عقود، في عامه الأول بالمنصب. وتسبَّب قراره في أغسطس/آب 2017، قطع أو تجميد 291 مليون دولار من المساعدات، احتجاجاً على سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي القاسية وعلاقاته مع كوريا الشمالية، في صدمةٍ للمسؤولين المصريين.
وترى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن نهج تيلرسون يتناقض بشدة مع نهج سلفه جون كيري، ومع رئيسه، دونالد ترامب، الذي قال عن السيسي إنَّه "رجل رائع"، حتى إنَّه أطرى على اختياره الحذاء في لقاء بالسعودية العام الماضي (2017).
لذا، عندما وصل تيلرسون أخيراً إلى القاهرة، الإثنين 13 فبراير/شباط 2018، في بداية جولة تشمل 5 دول بالشرق الأوسط، بدا حريصاً على تقديم تعويض.
فأعرب عن دعمه القوي لجهود السيسي الأخيرة في مكافحة الإرهاب بسيناء، وتجنَّب حتى توجيه انتقادات بسيطة للانتخابات الرئاسية التي من المقرر إجراؤها الشهر المقبل، (مارس/آذار 2018)، والتي يُنظر إليها على نطاقٍ واسع باعتبارها تمثيلية مُصطنعة لإعادة تثبيت السيسي لـ4 سنوات أخرى في السلطة.
ماذا يدور في الغرف المغلقة؟
لكنَّ مساعدين لتيلرسون قالوا إنَّه أثار في الغرف المغلقة مخاوف الولايات المتحدة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما في الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية. ولم يتوسع تيلرسون علناً فما قاله، واكتفى بإعادة تأكيد دعم الولايات المتحدة إجراء انتخاباتٍ نزيهة في مختلف أنحاء العالم، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
فقال تيلرسون إنَّ الولايات المتحدة ملتزمة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، "ليس فقط لمصر، ولكن في أي بلد"، لكنَّه رفض التعليق على موجةٍ شرسة من القمع التي سجنت، أو أبعدت، أو هدَّدت خصوم السيسي الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018).
ولم يُجب تيلرسون عن سؤالٍ عما إذا كانت الولايات المتحدة ستفكر في حجب المزيد من المساعدات العسكرية إذا ما قرَّرت الولايات المتحدة أنَّ انتخابات مصر ليست نزيهة أو ذات مصداقية، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
وبعيداً عن الكاميرات، يقول المسؤولون الأميركيون إنَّ تيلرسون لا يزال غير راضٍ عن مصر في العديد من المجالات التي تسبَّبت في فتور العلاقة العام الماضي (2017). وكانت هناك مؤشرات يوم الإثنين 12 فبراير/شباط 2018، على أنَّ تلك القضايا لم تنته.
أولى هذه القضايا، هي علاقة مصر مع كوريا الشمالية، التي أصبحت نقطة خلاف مهمة. وتمتلك كوريا الشمالية سفارة كبيرة بالقاهرة، يقول مسؤولون أميركيون إنَّها تُستخدَم في بيع الأسلحة بصورةٍ غير قانونية والتهرب من العقوبات الدولية.
وكانت المطالب الأميركية بأن تقلص مصر علاقاتها مع كوريا الشمالية عاملاً رئيسياً في قرار تيلرسون في أغسطس/آب 2017، قطع 96 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر وتجميد 195 مليون دولار أخرى.
ويقول مسؤولون أميركيون إنَّ تيلرسون لا يزال يشعر بالقلق حيال تعامل السيسي مع المجتمع المدني وجمعيات الإغاثة، التي أصبحت تخضع لقانونٍ جديد صارم منذ مايو/أيار 2017، لدرجة أنَّ بعضها بات يخشى أن يضطر إلى الإغلاق. وقال تيلرسون إنَّه بحث مع السيسي "أهمية حماية وتعزيز حقوق الإنسان، والدور الحيوي للمجتمع المدني في مصر".
يشعر المسؤولون الأميركيون أيضاً بالقلق إزاء تجدد قضية تضم 43 شخصاً من العاملين العرب والغربيين في مجال الديمقراطية كانوا قد أُدينوا، كثير منهم غيابياً، في عام 2013.