تحالف دعم الفوضى

جسّدت محاولة إسقاط الشرعية في عدن وإسقاط عدن في مستنقع النار والحرب من جديد صورة أخرى مشابهة مثلت امتداداً لمشروع سقوط الجمهورية وابتلاع الثورة (ربيع اليمن)

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/12 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/12 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش

سقطت صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 على أيادي دعاة الماضي والحق الإلهي السلالي في السيطرة والحكم والاستحواذ بالملك والملكوت وما وراء ذلك، وليس هنا فحسب، فمن هنا كانت البداية ودارت من تلك اللحظة عجلة المكر الخبيث الرامية الى إعادة التاريخ للماضي، وحرف المسار الوطني والمشروع الجمهوري والدولة اليمنية نحو مشاريع ظلامية لا وطنية، تخدم الجار الثقيل والقلة من أصحاب المصالح والأطماع وشهوة الموت على بلاط السلطة والملكية الأبدية للدولة لهم دون غيرهم.

جسّدت محاولة إسقاط الشرعية في عدن وإسقاط عدن في مستنقع النار والحرب من جديد صورة أخرى مشابهة مثلت امتداداً لمشروع سقوط الجمهورية وابتلاع الثورة (ربيع اليمن)، وتمزيق شحمها ولحمها بين ملوك النفط وأصحاب ترف الفائض المالي؛ للعبث بتراب الجيران الذين كتبت له أقدارهم أن يكونوا جيراناً ضعفاء لجوار جشع ومتوحش لا ينظر إلا لأنفه، ولا يمنح الحق في الحياة والبقاء إلا له في صورة تنافس الحمق والقبح السلالي الهاشمي الذي كتب على اليمنيين الموت لأجل بقائه واستعبادهم لأجل حريته بداعي الانتماء إلى سلالة السماء، في حين أن أفعاله من علامات أصحاب الدرك الأسفل.

ساهمت دولة الإمارات ومعها المملكة العربية السعودية في إسقاط الجمهورية في 2014 بهدف ضرب ثورة 11 فبراير/شباط 2011 وإجهاضها وسحق القوى الوطنية التي كانت تمثل الحامل الأبرز والأوضح للثورة للدفع بعجلة التغيير في المضي قدماً، والانتصار على النظام الشمولي العائلي لعلي صالح، وساهم سعي السعودية والإمارات لدحر الثورة في بعث الروح في نظام صالح؛ ليعود من جديد تحت رداء مظلومية الحوثي، وساهمت قوات صالح وأدواته العسكرية والسياسية والقبلية الى جانب جماعة الحوثي – الذين كانوا بالأمس أعداء، وكانوا في ميدان الثورة يهدون عرشه – كما كانوا يدّعون – في إسقاط الثورة، ومثلت مصلحة الانقضاض على الثورة عاملاً مشتركاً لكلا الخصمين بدعم من القوة الإقليمية التي نصبت سيفها لمنازلة الربيع العربي ومصادرته.

برغم أن كل ذلك يمثل خروجاً واضحاً وطعناً في جسد المبادرة الخليجية، والتي كانت بمثابة محاولة ناعمة وبلعب دبلوماسي محترف للالتواء على الثورة والوصاية عليها وجعلها جثة هامدة مفرغة من محتواها، حتى لا يشتد عضدها وتخرج عن الإطار الذي وضعته لها القوى الإقليمية المعادية لمشروع الثورة – التي تعتبرها وسيلة الإسلاميين للوصول إلى السلطة – والمساندة لنظام علي عبد الله صالح وتثبيت دعائمه.

ومع كل ذلك فقد أخفق الانقلاب في تحقيق أهدافه، حيث كان مخططاً لدفن الإصلاح والقوى الوطنية المتمسكة بخيار الوطن ومشروع الثورة في فخ حرب صنعاء، انسحب منها الإصلاح، وأوعز مهمة الدفاع عن الدولة إلى مؤسسات الدولة العسكرية التي يجب أن تحمي سيادتها، وهنا انكشف المستور واتضحت خيوط وملامح اللعبة العابثة، وخسروا المعركة في البدايات الأولى، فالمعركة لم تبتلع قوى الثورة كما كان مخططاً لها، وإنما منحت الحوثي السلطة ليبتلع اليمن، فاتجه متوشحاً سيفه لإسقاط الدولة في سهلها وجبلها وبحرها وبرها وجوها، ولم يتوقف عند شواطئ عدن فحسب، بل اتجه نحو خطوط الملاحة الدولية إلى مضيق باب المندب، وهيأ الطريق لإيران لتثبت قدمها في خاصرة دول الخليج العربي.

مع أن مسرحية سقوط صنعاء كانت بدواعي فوبيا الحكومة، وفزاعة رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة، وهو ما انكشف لاحقاً عندما لم تتوقف أطماع الحوثي عن حد معين حتى اجتياح أغلب المحافظات، ومن هنا أصبح الخطر على الخليج أكبر، وأدركت السعودية البعد الإيراني الرامي إلى التوغل في العمق الخليجي وتهديد أمنها القومي؛ حيث أصبحت عرضة لنشاط الحوثي المسلح في الحدود والمدعوم إيرانياً، والذي تتهمه السعودية بأنه ذراع إيران في المنطقة، ويسعى لزعزعة استقرارها وأمنها.

فاتجهت على أثر ذلك إلى إعلان التحالف العربي المباغت والمفاجئ في 26 مارس/آذار 2015 ضد جماعة الحوثي وصالح المنقلبة على شرعية الرئيس هادي، وتحت شعار إعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب على الدولة، إلا أن ما حصل العكس تماماً لمدة 3 سنوات من الحرب ازداد الحوثي قوة وسيطرة ونفوذاً واستحوذاً على مقاليد السلطة، بعد أن انقلب صالح عليهم وفض الشراكة معهم، ثم قامت الجماعة الحوثية بتصفيته وبسط نفوذهم على كل قوته التي كان ينازعهم بها، وأصبحت الجماعة هي القوة الوحيدة في الميدان، واستفردت بزمام الحكم في صنعاء والمحافظات التي تقبع تحت نفوذهم.

في الوقت الذي خسرت فيه السعودية أبرز الأوراق التي كانت تراهن عليها في حسم المعركة.

وخلال هذه السنوات الثلاث العصيبة من الحرب التي أنهكت الدولة اليمنية، وأُثقل كاهل المواطن الذي بات في مهب اليأس من عودة دولته أو مجرد الحصول على كسرة خبزة يسد بها رمقه، ويقي أطفاله لفحات الجوع والحاجة، سعى التحالف في اتجاه آخر لا يتفق مع الأهداف المعلنة، واستخدم الشرعية فقط كحامل لشرعنة تواجده، لكنها لا تملك أمرها في التصرف فيما يجري كونها صاحبة السيادة على التحالف وليس العكس، فالتحالف أتى لدعم الشرعية وليس العكس، وبكلمة واحدة من الشرعية يمكنها إنهاء حياة التحالف، ويصبح غير شرعي، بل ويتحول إلى النقيض، ويحاكم في المحاكم الدولية على الانتهاكات التي سببها في الأرض والإنسان.

تمادى خروج التحالف عن الأهداف المعلنة، وبات يقوض الحكومة لصالح الميليشيا الانقلابية سواء في الشمال أو الجنوب، وأنتج في الجنوب كيانات أخرى موازية للحكومة الشرعية تعمل على تهديد وجودها وتعيق ممارستها لعملها، وصولاً إلى انقلاب المجلس الانتقالي 29 يناير/كانون الثاني 2018 تحت مبرر إسقاط الحكومة برئاسة د. أحمد عبيد بن دغر، وهي الخطة نفسها التي أسقطت حكومة صنعاء 2014؛ ليكتمل مسلسل التآمر على الدولة اليمنية برمتها، والتي تدخل التحالف للحفاظ على وحدة التراب اليمني، لكنه أسقط ما تبقى من رمز وهيبة الدولة، ودعم كيانات عسكرية خارج إطار الشرعية، مما عزز حالة الانقسام الداخلي، بهدف تمزيق اليمن، وتفتيت خريطته السياسية والجغرافية ونسيجه الاجتماعي.

حدث الانقلاب على الدولة تحت سمع وبصر التحالف، صاحب النفوذ الأقوى في المعركة، بل الحصري في عدن، وهذا ما أكده رئيس الحكومة في خطابه الذي نشره في يوم أحداث الانقلاب بعدن، حيث أشار إلى أن التحالف هو من يملك كل شيء في عدن، وأخطر من ذلك مشاركة قوات إماراتية وطيران التحالف في الهجوم على معسكرات الشرعية، إضافة إلى العربات والمدرعات الإماراتية التي كانت تشارك في المعركة رافعة العلم الإماراتي والجنوبي.

وما يمكن استنتاجه من تلك الأحداث أن التحالف العربي هو تحالف سعودي إماراتي في فرض القرار بامتياز، وهو قائم على مصلحة البلدين السياسية والاستراتيجية في اليمن، وبقية الدول المشاركة إما في حكم المغيب أو المغلوب والخاضع لسيادة الكبرى، ولم تبدِ أي دولة موقفاً لما يدور على الساحة اليمنية؛ كون التحالف بشكل عام هو المسؤول الأول والأخير عما آلت إليه الأوضاع، فبدلاً من إعادة الشرعية أصبح تحالفاً لدعم الفوضى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد