قبل البدء بمناقشة هذه القضية، أشير إلى أن هذه التدوينة ليست موجَّهة لأعداء تركيا أصلاً، المعروفة عداوتهم لهذا البلد، وللرئيس رجب طيب أردوغان مهما عمل ومهما فعل، الذين يعملون على اختلاق الأكاذيب وتدليس الأمور والوقائع، من أجل الغمز واللمز هنا وهناك.
التدوينة موجَّهة لمن هم مع تركيا، يؤيدونها ويناصرونها -ولكلٍّ سببُه- ولكن حصلت عندهم إشكالية فيما يتعلق بقضية رفع العلم التركي في بعض مناطق شمالي سوريا، إشكالية لعب على وترها الأعداء الخبثاء، واستطاعوا في مكان ما التأثير سلباً على بعض القلوب.
لماذا ترفعون العلم التركي في بعض مناطق شمالي سوريا؟
لماذا ترفعون العلم التركي عند تحرير المواقع والتلال والجبال في عفرين؟
أليس هذا فعل احتلال؟
أليس من الأولى رفع العلم السوري بعد كل تحرير؟
أسئلة عديدة، أصحابها ينقسمون إلى عدة أقسام، القسم الأول يبحث فعلاً عن أجوبة بهدف المعرفة والاطمئنان، والقسم الثاني وهم كثير من الصحفيين والمثقفين والكتاب! من المفترض أن الأجوبة تكون متوفرة عندهم بحكم مستواهم العلمي والمعرفي والثقافي!
القسم الثالث، هم من يطرحون هذه الأسئلة من باب إيقاع الفتنة، بعد أن رأوا وحدة قوية بين الجيش التركي والجيش السوري الحر، ربما لم يشاهد أهل منطقة الشرق الأوسط مثلها منذ 100 عام، ولذلك هم منزعجون ويعملون وفق ما يوسوس لهم خبثهم، وهذا القسم ليس محل اهتمام في هذه التدوينة، ولا حتى على أرض الواقع.
المؤيد للثورة وللجيش السوري الحر، ويسأل هذه الأسئلة من باب الاستغراب الكبير والصدمة الفاجعة والصاعقة التي أصابته عندما رأى رفع العلم التركي، لديه شيء من الأمور التي يجب عليه ضبطها في طريقة تفكيره، إذ كان الأولى به أن يعترض على مجرد عملية عسكرية تركية في سوريا! وأن يعترض على مجرد دخول دبابة تركية إلى الأراضي السورية! لا أن يوافق على ذلك ويدعم ذلك ثم يأتي ويعترض على أمر فرعي بسيط، وهو رفع العلم!
هل رفع العلم أخطر أم الدبابة والجندي والسيطرة أخطر؟!
ولعلم هؤلاء.. تركيا اليوم تحترم علم الثورة أكثر من كثير من "الثوار" والتنظيمات والفصائل التي تقول إنها ضمن "الثورة"، وترفض رفع علم الثورة، تركيا تحترم هذه الراية عندما ترفعها إلى جانب علمها في الأراضي التركية، ولا تخجل أن يُرفع العلم التركي إلى جانب علم الثورة، الذي يخجل منه المنتمون لتلك الفصائل المتسلقة.
رفع العلم التركي بعد تحرير المواقع من تنظيم PYD الإرهابي في عفرين، في إطار عملية "غصن الزيتون" التي تسير بنجاح تام بجناحيها الجيش التركي والجيش السوري الحر، هو أمر فرعي من أصل عام (العملية العسكرية)، وأصحاب الشأن من الأتراك والسوريين متفقون على هذا العام بكل فروعه.
لماذا يتم رفع العلم التركي، ومَن يرفعه؟
من الطبيعي أن الجيش التركي سيرفع العلم التركي، سواء كان في تركيا أو سوريا أو أفغانستان أو البوسنة أو أي دولة يتواجد فيها، فهو لن يرفع العلم الهندي مثلاً أو العلم الفلبيني، ولن يرفع أي راية أخرى لأنه جيش نظامي كامل متكامل.
من يقوم برفع العلم التركي في تلك المواقف هو الجندي التركي، وليس جندياً من الجيش السوري الحر، وهذا أمر طبيعي جداً عقلاً ومنطقاً، والجيش التركي لا يجبر عناصر الجيش السوري الحر على رفع العلم التركي، فعناصر هذا الجيش يحملون علم الثورة، وهذا أيضاً أمر طبيعي ومنطقي.
لماذا في كل مرة يتم تصوير رفع العلم التركي ونشر المقاطع؟
تصوير مثل هذه المقاطع ونشرها يتعلق بأمور تركية داخلية، ولا يحمل أي رسالة خارجية، فالمواطن التركي يريد أن يرى علم بلاده مرفرفاً كي يزداد دعمه للعملية العسكرية -فلولا دعم الشعب التركي للجيش والحكومة لما تمت العملية- وكلما يرى هذا المواطن نصراً تلو نصر سيزداد دعمه للجيش، وسيستقبل شهداء الجيش استقبالاً يليق بهم.
المواطن التركي، بكل أطيافه، الأتراك والعرب والأكراد والتركمان وغيرهم، يرى اليوم علم بلاده يرفرف إلى جانب علم الثورة، الذي ترفعه أيادي الجيش السوري الحر، وهذا أمر في قمة الإيجابية، يزيد من التعاطف الشعبي مع العملية، وحتى مع الشعب السوري الذي يحترم العلم التركي ويقدره توازياً مع علم الثورة.
علمان يرفرفان جنباً إلى جنب، يكتبان ملحمة عظيمة معاً، يظلان معاً الأبرياء والمظلومين، يحميان معاً المضطهدين… دعوهما وشأنهما فإنهما متفقان على أرض الواقع.
ما يحصل اليوم في عفرين ملحمة تاريخية ليست بالبسيطة أبداً، ولا يحاول البعض التقليل من شأنها محلياً وإقليمياً ودولياً، والدماء العربية التركية الكردية التركمانية التي تختلط اليوم مع بعضها البعض في مواجهة تنظيم إرهابي يعيث في شمالي سوريا فساداً منذ سنوات، بدعم أميركي وغير أميركي، أغلى وأهم من أي علم يرفع هنا أو هناك.
سواء كان العلم التركي أو علم الجيش السوري الحر، هما علمان يستمدّان قدسيتهما اليوم في تلك المناطق من هذه الدماء المتساوية الطاهرة، فلا نعمل على تمييع هذه الدماء بأمور صغيرة لم يلتفت لها من قدَّم روحه، على عكس من يلتفت لها وهو يعيش في هذه العاصمة أو تلك، وفي هذا الفندق أو ذاك.
الأرواح والدماء هي صاحبة القرار، سكان تلك المناطق الذين ينتظرون بفارغ الصبر تحريرهم من داعش وPYD الإرهابيين، هم أصحاب القرار، وهم أصحاب الرأي المعتبر في هذا الشأن، لا سكان "الفايف ستار".
تركيا ليست طامعة بأراضي أي دولة، وهذا أمر واضح وجلي، ويُكرَّر يومياً على لسان المسؤولين الأتراك، فلا داعي أصلاً لمناقشة هذه النقطة، تركيا تعمل اليوم من أجل الإنسان في هذه المنطقة، سواء كان هذا الإنسان تركياً أو عربياً أو كردياً أو تركمانياً.
لو كانت تركيا طامعة بأراضي الغير لكانت دخلت وحدها في هذه العملية، أو التي قبلها، أو التي يُحضّر لها مستقبلاً أيضاً، ولكنها دخلت مع الأهالي الأصليين لتلك المناطق، وهم فرحون اليوم، وهذا كافٍ.
فلنلتفت لما هو أهم، ولنكن صادقين مع أنفسنا، أصحاب فكر واع، كي نتمكن من مواجهة الآخر الذي تغلب على كثير منا بالعقل والتفكير والاستراتيجية، قبل أن يستخدم أي قذيفة أو طائرة أو برميل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.