التخلص منهم ليس سهلاً وخطرهم على المملكة قائم.. ارتياح وتوجس في السعودية بعد تلاشي صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/09 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/09 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش

لم يكن رقص فتاة وشاب سعوديين في شارع عام مكتظ بالمارة مشهداً غير مألوف وحسب، بل أطلق نقاشاً حاداً حول انحسار تأثير الشرطة الدينية، المعروفة بفرضها الفصل بين الجنسين من غير المحارم في المملكة المحافظة.

امتلكت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو "المطوعون" الاسم المتعارف عليه لأفراد الشرطة الدينية منذ عقود سلطات واسعة، للتأكد من تطبيق قواعد الحجاب أو الفصل بين الجنسين، فكانوا يسيّرون الدوريات في الأماكن العامة، ويراقبون رواد المتاجر الكبرى لضبط النساء اللواتي يضعن طلاء أظافر براقاً، ومعاقبة الرجال الذين يسعون للاتصال بالجنس الآخر.

تقليص صلاحيات الهيئة


وفي السنوات السابقة، أطلقت السلطات السعودية سلسلة من الإصلاحات شملت تقليص صلاحيات المطوعين بشكل تدريجي، ومنعتهم من مطاردة الأشخاص وإيقافهم والتثبت من هوياتهم.

كما قلَّص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الدورَ السياسي لرجال الدين المتشددين، في إطار الإصلاحات التاريخية في المملكة.

الفيديو القصير لرقصة الشارع لم يكن خرقاً بسيطاً في مجتمع محافظ جداً، بل صدم الرأي العام بعد ظهوره وانتشاره هذا الأسبوع، وأثار دعوات لإلقاء القبض على الشاب والشابة.

وتعهَّدت السلطات بالتحرك السريع، وسط تعليقات غاضبة اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي التي أظهرت الاستياء في الأحياء المحافظة، حول تراجع حضور المطوعين وعدم اليقين حول دورهم المستقبلي.

وتردَّد سؤال: "أين الشرطة الدينية؟" بين السعوديين الغاضبين على مواقع التواصل الاجتماعي، وسأل البعض أيضاً "لماذا هم صامتون؟" و"هل يعني صمتهم الموافقة؟".

والمطوّعون ينضوون في الجهاز الحكومي "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

وتقول وكالة الصحافة الفرنسية إنها تقدَّمت بطلبات متكرِّرة إلى الهيئة للحصول على تعليق، إلا أنه لم تكن هناك أي استجابة.

"رد فعل"


لاقى التراجع في حضور المطوعين وصلاحياتهم ارتياحاً لدى الكثيرين من شريحة الشباب في السعودية.

وفي مشهد كان غير متخيل قبل عامين، أُزيلت الحواجز التي كانت تفصل بين الجنسين في بعض المطاعم في الرياض، التي عادت لتستقبل الزبائن من الجنسين على صوت الموسيقى.

وشوهد مقهى ينزع الحواجز داخله بعد وقت قصير على مغادرة دورية المطوعين، الذين يرتدون الأثواب البيضاء وأغطية الرأس الحمراء، وهو الزي الذي يرتديه السواد الأعظم من أبناء المملكة والمقيمين.

وقبل أسابيع دعا كتاب في عدة صحف بارزة، بينها عكاظ، بشكل مباشر، وبجرأة، وفق البعض، إلى إلغاء دور المطوّعين، بحجة أنهم يشكلون عبئاً مالياً غير ضروري.

ويأتي تراجع المطوعين في الوقت الذي يسعى فيه الأمير محمد بن سلمان البالغ 32 عاماً، في بلد نصف عدد سكانه تحت 25 عاماً، لإطلاق حملة إصلاحات في المملكة المحافظة تحت مسمى "رؤية 2023".

فهو رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وسمح بفتح دور السينما، وأدخل سلسلة من النشاطات الترفيهية والرياضية، وحيّد غلاة المتشددين في المملكة، الذين يعتبرون الداعمين التقليديين للعائلة المالكة.

وتم إسكات معارضين لإصلاحات الأمير، على الأقل في العلن، بعد حملة شملت اعتقال رجال دين بارزين، لديهم ملايين المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي.

وغاب رجال دين بارزون، كانوا دائمي الظهور على الشاشات عن الحياة العامة، وأعلن الشيخ عائض القرني مؤخراً "طلاقه" من السياسة.

ويقول هشام الغنّام، الباحث السعودي في جامعة اكزتر البريطانية لوكالة الصحافة الفرنسية "تأثير رجال الدين المحافظين كان دائماً مبالغاً به".

وأضاف أن "ممارسة الفتيات للرياضة وفتح دور السينما وتنظيم حفلات أو حتى الوصول إلى حدِّ حلِّ الشرطة الدينية ليست أشياء بإمكانهم منعها. المملكة قادرة على الدفع في اتجاه مثل هذه الإصلاحات دون توقع ردة فعل قوية".

دور ملطف


حتى الآن هناك توازن دقيق بين الانفتاح الاجتماعي وتهميش المحافظين، فيما تبدو السلطات حذرة في عدم إثارة الحساسيات الدينية.

ويقول رجل أعمال في الرياض، طلب عدم كشف هويته "هناك فارق بين الإسلام المعتدل ولَا إسلامَ على الإطلاق".

ويضيف "إلى جانب الحفاظ على الأخلاق العامة، لاحَقَ المطوّعون أيضاً مهرِّبي المخدرات والمجرمين الذين يتحرشون بالناس".

وتخيّم فوق مستقبل هيئة المعروف حالة من عدم اليقين، إذ من غير الواضح ما الذي ستقرّره الحكومة بشأنهم.

ويقول جيمس دورسي من جامعة اس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة "لا يمكن حلهم هكذا بكل بساطة"، مضيفاً أن "الخيار الأفضل دمجهم في المؤسسات العامة لتطبيق القانون".

ويقول بروس ريديل مؤلف كتاب عن السعودية يحمل عنوان "ملوك ورؤساء" إن عناصر الشرطة الدينية المتشددين يمكن أن "يكونوا خطيرين إذا كانوا عاطلين عن العمل، ولديهم مشاعر غاضبة".

ومنذ العام 2016، بدا وكأن المطوعين يخضعون لتبديل كامل في صورتهم، مع إخضاعهم لدورات تدريبية لتعليمهم كيفية التصرف مع المواطنين "بلطف ومودة"، والاقتراب منهم بكلمات محببة مثل "أخي العزيز".

لكن حتى بدون صلاحية توقيف الأشخاص، فإن دور أفراد الشرطة الدينية لا يزال حاضراً. فهم الآن يعملون جنباً إلى جنب مع الأجهزة الأمنية الأخرى، ويتوجب عليهم الإبلاغ عن الانتهاكات إلى الشرطة المدنية.

وخلال السنوات السابقة انتشرت تسجيلات فيديو كثيرة عن تشددهم، لكن أشهرها حادثة أودت بحياة فتيات عام 2002، عندما تم اتهامهم بعدم السماح بفتح الأبواب خلال تعرّض مدرسة لحريق لأن التلميذات، كن لا يرتدين الحجاب بالشكل المطلوب.

تحميل المزيد