نظرية المؤامرة من أدهى وأخطر السبل الخسيسة التي ابتكرها الشيطان وأولياؤه لطمس الحق وتشويهه، وتجميد العقول واستسلامها للفشل والهزيمة، وعدم البحث عن حلول، بل والطعن في كل شخص أو جماعة تحاول تغيير الواقع، وتسعى إلى ذلك، وتقزيم مجهودها وتخوينها واتهامها بأنها تعمل لصالح ذلك العدو المحجوب والوحش الخفي واليد المتحكمة في كل ما يدور في العالم من أحداث اقتصادية وسياسية وعسكرية، وأنها تدبر وتخطط لكل شيء، وذلك عبر المؤامرات المحبوكة والخطط المدروسة التي لا يسع لأحد الخروج عنها أو مقاومتها، بل إن الجميع يعمل لصالحها بقصد أو بغير قصد، فلا داعي لبذل الجهد للبحث عن مخارج لمشاكل أمتنا.
ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺒﻄﻲﺀ ﻟﻸﻣﻢ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺏ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ وعدم ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، إلى أن ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺘﻔﺴﻴﺮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺄﻟﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺓ، ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﺃﻱ ﺫﻛﺎﺀ ﺳﻴﺎﺳﻲ، ﻭﻻ ﺗﺨﻄﻴﻂ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ ﻭﻻ ﺗﻄﻮﺭ ﺗﻘﻨﻲ، ﻭﻻ ﺣﺘﻰ ﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ، إنما ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻭﺭ في أمتنا من تمخض ﻳﺼﻨﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ تدبير ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺨﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺮﺻﺪ ﺑﻨﺎ، ﻣﻊ ﺇﻫﻤﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﺴﺒﺒﺎﺕ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺬﻭﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﻤﺸﺎﻛﻞ.
نظرية المؤامرة يُقنع بها أهل الباطل أنفسهم أنّه لا وجود للحق، فلا يتحمّلون كُلفة الانقياد له والإعانة على حمله وما يترتب على ذلك من هتك المألوف ومشقة تطويع النفوس.
اليوم يقولون مؤامرة، وبالأمس قال أسلافهم: "ﻭَﻗَﺎﻝَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻛَﻔَﺮُﻭﺍ ﺇِﻥْ ﻫَٰﺬَﺍ ﺇِﻟَّﺎ ﺇِﻓْﻚٌ ﺍﻓْﺘَﺮَﺍﻩُ ﻭَﺃَﻋَﺎﻧَﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻗَﻮْﻡٌ ﺁﺧَﺮُﻭﻥَ ﻓَﻘَﺪْ ﺟَﺎﺀُﻭﺍ ﻇُﻠْﻤًﺎ ﻭَﺯُﻭﺭًﺍ " (الفرقان).
فقد اتهموا النبي الصادق المصدوق بأنه كاذب وتآمر مع قوم آخرين مجهولين لبث الفرقة والفتنة في قريش، وإبعادهم عما قد ألفوا عليه آباءهم؛ لأن من ﺧﺼﺎﻝ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺣﺐ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺁﺧﺮ.. ﻓﻼ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻧﺼﻨﻊ ﺁﺧﺮ ﻣﺠﻬﻮﻟﺎً، ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻀﻴﻒ ﺑﻌﺾ ﺍﻹﺛﺎﺭﺓ، ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺗﻀﺨﻴﻤﻪ ﻭﺇﻋﻄﺎؤه ﻗﺪﺭﺍﺕٍ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﺗﺠﻌﻞ ﺿﻌﻔﻨﺎ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً وتخفف عنا حمل المسؤولية، وتجعل من ركوننا وانبطاحنا مشروعاً لأن الآخر المجهول هو الذي سبب لنا هذا الوهن.
لكن لماذا لم يتساءل أتباع أو المؤمنون بنظرية المؤامرة أين يكمن الداء؟ وكيف السبيل للدواء؟
من هو عدونا وما الذي يطمح إليه؟ وكيف يسعنا الخروج عن مؤامراته المحبوكة؟
وﻟﻤﺎﺫﺍ لا ﻧﻮﺍﺟﻪ ﻭﻧﻐﻴّﺮ ﺃﻭ ﻧﺘﻐﻴّﺮ؟ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺨﻄﻄـه؟
أسئلة لن يستطيع الإجابة عنها المهووسون بنظرية المؤامرة ولن يتجرأ حتى على طرح هذه التساؤلات على أنفسهم؛ لأن ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺏ ﻣﻮﻟﻊ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ والانقياد له، واختلاق أسباب لشرعنة الركوع لقاهره.
ولأن عقولهم قد كبّلها الوهم والعجز وﺃﺻﺒﺤﺖ ﺗﻜﺮﻩ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺗﻜﺮﻩ ﺍﻹﺻﻼﺡ، ﻭﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺟﺮﺡ ﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﻓﻴﻨﺎ ﻋﻤﻴﻖ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺸﻔﻰ، ﻭﺃﻥ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺃﻭ ﺍﻻﺣﺘﻼﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻳﺘﻔﻮﻕ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺠﺎﺑﻬﺘﻪ ﻣﻄﻠﻘﺎً، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺪﺕ في معظم أفراد مجتمعاتنا ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺃﻱ ﺗﻘﺪﻡ ﺃﻭ ﻧﺼﺮ، ﺑﻞ ﺗﺮﻣﻲ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﻮﻫﻦ، ﻭﺗﺪﻣﺮ ﻛﻞ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ، وتنهك المصلحين والساعين إلى التغيير وتعوق مقاومتهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.