سبعة شبان صحراويين في مقتبل العمر يقضون نَحبَهم أثناء محاولتهم العبور إلى جزر الكاناري – إسبانيا، فبحسب ما تداولته وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر قضائية إسبانية، فقد لقي خمسة منهم مصرعهم يوم الإثنين 15 من الشهر الجاري بسبب الجوع والإجهاد الناتجين عن تعرضهم لموجة برد شديدة أثناء عبورهم إلى جزيرة لانساروطي الإسبانية على قارب مطاطي، فيما توفّي اثنان غرقاً قبالة سواحل الجزيرة.
الشبان الصحراويون ركبوا غمار الهجرة غير النظامية بحثاً عن عيش كريم بعد أن ضاق بهم وطنهم الغني بخيراته، ولكن المحتكر والمنهوب من قِبل شرذمة من الفاسدين ولصوص المال العام "الهناتيت" وأذنابهم.
فبالنظر إلى الدعاية الرسمية التي تقدم الأقاليم الصحراوية على أنها جنة الله في الأرض، فلا يمكن أن يقدم هؤلاء الشبان السبعة على خوض هذا الغمار الذي انتهى بمصرعهم سوى بهدف السياحة أو حب المغامرة، فمن سابع المستحيلات أن يتركوا وراءهم "مخططاً تنموياً جهوياً استعجالياً" مخصصاً للإقليم، لطالما طبلت له الحكومة، تفوق الميزانية المخصصة له الـ70 مليار درهم، رُوج له في الإعلام وسوّق له عالمياً، بالإضافة إلى ميزانية حكومية سنوية تناهز 17 مليار درهم مخصصة للإقليم في هذه السنة، بحسب الإعلام الرسمي دائماً، زيادة على منجزات أكثر من عشر سنوات من "برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، عدا عن الامتيازات الخيالية الكثيرة التي تستفيد منها الساكنة من قبيل "الكارطيات" والوظائف والمواد المدعمة وحتى المجانية، كما يزعمون.
بل إنهم تركوا أيضاً نهضة ثقافية خصصت لها المليارات قوامها المهرجانات والسهرات والحفلات الغنائية والفولكلورية المائعة، وحتى الندوات الفكرية التي تقمع الفكر الحر وتسبح بحمد السلطة، بالإضافة إلى الزيارات الكثيرة التي لا حصر لها للمسؤولين المركزيين ومرافقيهم من الضيوف الأجانب ومن ذوي الحظوة من أبناء المنطقة، وما يتخللها من إسراف وتبذير وهدر للمال العام.
والأهم أنهم تركوا وراء ظهورهم نهضة حضارية لا مثيل لها، تمثلت في مشاريع التهيئة العمرانية التي استغنى منها لصوص البقع الأرضية وسماسرتها، في حين مُنع أهل المنطقة الأصليون من الاستفادة منها، بالإضافة إلى مشاريع تحسين مظهر المدينة من قبيل إنشاء الساحات العمومية والنافورات والأرصفة وكذا التبليط والإنارة وتجديد واجهات الإدارات المزركشة وأثاثها، وهي المشاريع التي تدبر صفقاتها تحت جنح الليل وتشترى بها الذمم، ويجند بها الأتباع، لصالح هذه الجهة السياسية أو تلك، فلم ينعكس كل ذلك المجهود على وضعية الساكنة التي ما زالت تئن تحت وطأة الفقر والعوز والحاجة.
طبعاً المجرمون المسؤولون عن دفع هؤلاء الشباب إلى الموت قهراً قبل أن يموتوا برداً وجوعاً وغرقاً، لن يجدوا في أنفسهم غضاضة من التبجح بأسطوانة تنمية الإقليم المشروخة التي لم تعد تنطلي على أحد، والتي يغطون بها على فسادهم المكشوف للقاصي والداني، وعلى نهبهم وارتزاقهم باسم ساكنة الإقليم، التي يدعون زوراً وبهتاناً تمثيلها والدفاع عن مصالحها، في حين أنهم يحرصون على الانعزال عن العاملة والاعتكاف في فللهم وقصورهم ومكاتبهم الوثيرة بعيداً عن هموم المواطنين وتطلعاتهم، لا يجدون في أنفسهم حرجاً من التبجح بمستوى عيشهم الباذخ وباستثماراتهم والتباهي بها أمام البسطاء المستضعفين الذين لا حول لهم، حيث يقحمون المجتمع في دوامة من التنافس المظهري الذي لا قِبَل للفقراء به.
لكن يبقى عزاؤنا في دعاء أمهات الشبان الذين قضوا نحبهم، الثكالى على أبنائهن، فكأني بهن يرفعن أيديهن ويبتهلن لربهن ويدعونه أن ينتقم من الفاسدين الذين نهبوا الخيرات وسرقوا المقدرات ودفعوا خيرة أبناء الإقليم إلى هذا المصير المحزن، لعله يستجيب لدعائهن، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.