اعتقل الجيش المصري جنرالاً مُتقاعِداً لاستجوابه أمس الثلاثاء، 23 يناير/كانون الثاني 2018، مُعلِناً تحقيقاً في محاولته تحدي الرئيس عبدالفتاح السيسي في انتخاباتٍ من المُقرَّر أن تُعقَد، في مارس/آذار المقبل.
وفي بيانٍ صوتي نادر، قال الجيش إنه يتَّخذ "إجراءً قانونياً ضرورياً" ضد الجنرال المُتقاعِد سامي عنان، الذي أعلن ترشُّحه للانتخابات الرئاسية يوم السبت، 20 يناير/كانون الثاني.
واتَّهَمَ البيان عنان، الذي شَغَلَ منصب رئيس أركان القوات المُسلَّحة المصرية في الفترة من 2005 حتى 2012، بـ"انتهاكاتٍ وجرائم"، تتضمَّن تزويراً في أوراق رسمية، و"تحريضاً ضد القوات المُسلَّحة".
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن عنان اعتُقِلَ بينما كان في طريقه عبر حي مدينة نصر بالقاهرة، وفقاً لما قاله ابنه سمير في اتصالٍ هاتفي. وأضاف: "أجبروه على الخروج من السيارة، واقتادوه إلى عربةٍ وغادروا به".
ولم يكن عنان، البالغ من العمر 69 عاماً، يُمثِّل تحدياً كبيراً أمام السيسي، الجنرال السابق الذي حَكَمَ مصر بيدٍ من حديد منذ العام 2014، حين انتُخِبَ بنسبة 97% من الأصوات.
يفعل أي شيء حتى لا ينافسه أحد
وتقول الصحيفة، إن اعتقال عنان يبرز مدى استعداد السيسي لفعلِ أي شيءٍ لإخلاء الساحة من منافسيه، حتى إذا كان ذلك يعني التعدي على شخصياتٍ بارزة في المؤسَّسَة العسكرية، التي تُعد وتداً سياسياً أساسياً يستند إليه.
وانسَحَبَ ثلاثةٌ من المُرشَّحين المُحتَمَلين بالفعل من السباق الرئاسي. وكان من بينهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، الذي قال مساعدوه إنه تعرَّضَ لضغوطٍ كي ينسحب تحت تهديدٍ بالتحقيق معه في تهم فساد، ومحمد أنور عصمت السادات، ابن شقيق الرئيس الأسبق أنور السادات.
واتَّهَمَ السادات وغيره من المُرشَّحين السابقين مسؤولي الحكومة بالسعي لتخريب حملاتهم الانتخابية بالتخويف والمضايقات. وقالوا إن مطابع وفنادق رفضت تقديم خدماتها لهم بناءً على أوامر حكومية.
وترى الصحيفة أن المنافس الأخير المتبقي في السباق الرئاسي، وهو المحامي اليساري خالد علي، سوف يُستَبعَد إن لم تُلغَ إدانته الجنائية بخدش الحياء العام، في 7 مارس/آذار. وتابَعَت النيابة هذه الشكوى الجنائية بعد أن قدَّمَها واحدٌ من أبرز مؤيِّدي السيسي.
لم تستمر حملة عنان إلا أربعة أيام فقط. وفي إعلانه ترشُّحه يوم السبت الماضي، وجَّهَ عنان انتقاداتٍ لسجل السيسي، وتعهَّدَ بتعيين هشام جنينة -الذي كان رمزاً لمناهضة الفساد طَرَدَه السيسي من منصبه- نائباً للرئيس لشؤون حقوق الإنسان.
وبدا اختيار جنينة مُخطَّطاً له من أجل ضرب السيسي في بعض أكثر النقاط حساسيةً بالنسبةِ له: السجل الضعيف سيئ الصيت لحكومته في مجال حقوق الإنسان، وتحويل جنينة إلى المحاكمة بعد أن سُرِّحَ من عمله رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات في العام 2016، على خلفية تقديره أن الفساد كلَّف البلاد ما يربو على 76 مليار دولار.
وقال المحامي الخاص بجنينة إنه اتُّهِمَ لاحقاً بإشاعة أخبار كاذبة، وحُكِمَ عليه بالحبس لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ، ويستأنف على قرار المحكمة.
قال ابن عنان بحسب نيويورك تايمز: "يريدون التخلُّص من أي منافسة. ما مِن طريقةٍ أخرى يمكن النظر بها إلى ذلك".
أقال قادة كباراً
وجاء ترشُّح عنان في لحظةٍ من التبدُّل في المناصب العليا في الأجهزة الأمنية في مصر. ففي الأسبوع الماضي، أقال السيسي، على نحو غير مُتوقَّع، وبسهولة شديدة رئيس جهاز المخابرات العامة، الذي اعتُبِرَ في السابق حليفاً وثيقاً له.
وقبل ثلاثة أشهر، كان قد أقال رئيس أركان حرب القوات المُسلَّحة، الفريق محمود حجازي، في ظروفٍ شبيهة لم تُفسَّر.
وأعلن السيسي رسمياً، يوم الجمعة 19 يناير/كانون الثاني، اعتزامه خوض الانتخابات لفترةٍ رئاسيةٍ ثانية، لكن سلسلةً من التغيُّرات المُفاجئة أثارت أسئلةً حول ما إذا كان سعي عنان للترشُّح يحظى بتأييدٍ من كتلٍ مُنافِسةٍ في الجيش.
وقال مايكل وحيد حنا، المُحلِّل بمؤسَّسَة The Century الاستشارية ومقرها نيويورك: "سمعت أنه تشاوَرَ مع ضباطٍ مُتقاعِدين آخرين، لكن ليس قادةً موجودين بالفعل في الخدمة".
لكنه أضاف أن إلقاء القبض على عنان يُظهِر أن السيسي لا يزال يتمتَّع بسيطرةٍ لا نزاع عليها على الجيش.
وقال حنا: "نعلم أن هناك انقساماتٍ ومنافسات. لكن من زاوية القرارات التي تُصدَّر للخارج، لا يزال السيسي والنظام يتمتَّعان بسيطرةٍ عليا".
ومن المُقرَّر أن تُعقَد الجولة الأولى من الانتخابات بين 26 و28 مارس/آذار، مع احتمالية عقد جولةٍ أخرى، في نهاية أبريل/نيسان، إن لم يجنِ أيُّ مُرشَّحٍ أغلبيةً من الأصوات.
وحظي الزعيم المصري بدعمٍ من نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، الذي وصل القاهرة يوم السبت.
وأخبَرَ بنس المراسلين الصحفيين في وقتٍ لاحق أن "التعاون بين الولايات المتحدة ومصر لم يكن قط أقوى مما هو عليه الآن"، مضيفاً أنه ناقَشَ مع السيسي مواضيع مُتعدِّدة شملت الحريات الدينية، وعملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية المُتعثِّرة، ووضع المواطِنَين الأميركيَّين اللذين يقبعان في السجن في مصر.
يدفع السيسي قُدُماً في حملته، ونَشَرَت وسائل الإعلام الحكومية، الثلاثاء الماضي صورةً للرئيس المصري في كشفٍ طبي للنظر، كجزءٍ من الفحص الطبي اللازم لكل المُرشَّحين للرئاسة.
وفي وقتٍ لاحق من اليوم نفسه، اقتَحَمَ ضباطٌ بالجيش فيلا عنان، حيث قاموا بتفتيشها ومصادرة وثائق منها، حسب ما جاء في تصريحٍ لشريكه في الحملة هشام جنينة.