إحياء ذكرى ثورتك وأنت حرّ أفضل لك من الاحتفال بالسابع من نوفمبر وأنت ذليل

الدماء قبل الدموع برصاص تونسي في قلب محتّج، كلنّا يذكر ذاك المشهد القاتم في الإنسانيّة، لن يمحى من ذاكرتنا ذاك البوليس وهو يتخذ وضعية القنص ويصوب بندقيته في قلب أو رأس شّاب محتجّ

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/20 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/20 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش

منذ 7 سنوات خَلتْ، وتحديداً في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، قام الشهيد البوعزيزي بإحراق نفسه، احتجاجاً على حجز عربته لبيع الخضار، ومنذ تلك اللحظة تغيّر الكثير في تاريخ تونس المعاصر؛ إذ انتشرت المظاهرات في أرجاء البلاد والمواجهة بالحجارة والزجاجات الحارقة مع قوات إرهاب منظّمة تحت حماية وزارة الداخليّة بالتعاون مع ميليشيات الحزب الحاكم آنذاك (التجمع الدستوري الديمقراطي).

الدماء قبل الدموع برصاص تونسي في قلب محتّج، كلنّا يذكر ذاك المشهد القاتم في الإنسانيّة، لن يمحى من ذاكرتنا ذاك البوليس وهو يتخذ وضعية القنص ويصوب بندقيته في قلب أو رأس شّاب محتجّ، أي جريمة ارتكبت، وأي قتل منظّم في صفوفنا وأي مهزلة ارتكبها القضاء العسكري ليعفو عن هؤلاء المجرمين؟!

ديسمبر 2010: الطقس بارد والصقيع يملأ أرجاء البلاد، والدماء كانت تسيل على أرض الإنسانية، والحناجر ما فتئ صوتها يعلو بشعار واضح: "إسقاط النظام السّابع والدكتاتورية النوفمبرية"، لا تراجع أيها الشعب العظيم، فأي حريّة سطرتّ؟ وأي شمس أشرقت في ذاك الظلام الدامس من القمع والفساد ورهن للبلاد لدوائر الاستعمار؟!

في تلك الملحمة التاريخية بين نظام المافيا وبين الشباب ذي القلب النابض بالتغيير والتشييد، نسجلّ بكلّ اعتزاز كلّ حجارة في سيّارة البوليس، ونسجّل فخرنا بكلّ زجاجة "مولوتوف" أحرقت مركزاً للشرطة ومقراً للتجمع الدستوري الديمقراطي وبث الرعب والخوف في صفوف الأعداء من برجوازية لقيطة ومارقة وسارقة.

الرماد، شهداؤنا الكرام جاءوا إلينا كأسراب الضياء، طيور مهاجرة، تنشر السلام والحبّ وتزقزق شعبها ثورته، دماؤكم ستزال وستبقى تزهو فوق ربوعنا؛ لتزدهر البيادر سنابل الملاحم… هذا هو طريقكم.. طريق العدالة والحكمة، إنّه طريق مليء بالشوك، لكنكم قهرتموه بالبأس والشدّة والمقاومة، إنّه معدنكم، معدن الدماء، يا عابري المسافات المستحيلة، يا ساكني كون العفّة والطهارة لكم كلّ الحبّ وانحناءة الفرسان.

يا فرسان، يا مَن حطّمتم طول الليل، وكسرتم اللون الداكن المخيّم على الوطن، قاتلوا بنصل سيوفكم أعداء الشمس، خضّبوا بهذا القاني أرض البلاد زيتوناً ونخلاً وماءً…ألا فاطمئنوا ضحايا الفدى.
وعلى الأثير كما كانت بوصلة الجموع ملتزمة بقضايا الوطن والشعب، كانت تشير أيضاً إلى الأراضي المحتلة فلسطين وحقّ كافة الشعوب في تقرير مصيرها تحت لواء الحريّة والكرامة الوطنية.

تونسيّون.. وأي قوميّة وُلدت من جديد! كما يشتعل اللهيب من تحت الرماد، أشعت منذ القدم على البحر المتوسطّ بعلومها وفنونها وفلاحتها وديمقراطيتها السيّاسية، إنّه العرق في عمق تجلياته.

يناير/كانون الثاني 2011: كان التلفاز يبث حفلات رأس السنة، المنشطون والفنانون يفتخرون بالعهد الجديد، وبتغيير السابع، ويتمنون ببلاهة أن يدوم نظام بن علي وحكم حزب التجمع إلى الخلود، معاهدين النظام على سياسة التقبيل والانحناء والذلّ، وفي خضم هذا كلّه كانت الدماء تسيل برصاص تونسي.

وتتواصل مسيرات الحرب ضد قوات القهر الاجتماعي والاقتصادي، فالتحركات تملأ البلاد بشرقها وغربها تحت شعار مركزي "خبز، حرية.. كرامة وطنية"، "لا رجوع ولا حرية للعصابة النوفمبرية"، في ذاك البرد الشديد وسواد الليل كنا نرى في آخر النفق النور مضاءً، فقط علينا أن نسير قد نسقط شهداء ولكن إن غداً لناظره قريب، وهكذا سطّر التونسيون ملحمة سلمية، ملحمة ليست بالياسمين كما كان يسوقها الإعلام، بل كانت ملحمة بالدم والاعتقالات والمواجهات والاستشهاد.

تونس بلدي الرائع والمتأنق الذي ما زال بجروح قديمة ينزف، لكن يحدوه الأمل للتغيير والتجديد، بقيم إنسانية، حين تتحقق كرامة الإنسان التونسي في العمل وفعل المواطنة والإنشاء.

وحتى لا يعكر صفو إحياء الذكرى من أصوات البهائم على غرار ما بقي من ترسبات حزب التجمع وبوليس بن علي والذين سمحت لهم القوانين وسماحة بعض التونسيين أن ينتظموا في أحزاب متفرخة عن النظام النوفمبري، فإنه لا يفوتنا أن نذكّر بأن السيدة "عبير موسي" الأمينة العامة السابقة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي التي أصبحت تترأس اليوم حزباً، رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، قالت في اجتماع حزبها: "إنها لا تعترف لا بثورة 14 يناير ولا بالدستور"، وفي الحقيقة لم يتفاجأ كثيرون بتصريحاتها على اعتبار مَن رضع من ثدي الذّل فإنّه يشيب عليه، وفاتها أن الثورة مسار كامل ومتكامل وستتأكد في يوم قريب يوم تتحقق العدالة فوق هذه الأرض أنها ثورة قلباً وقالباً، كما أننا ننوه بخطورة ما يقوله قائد ميليشيا التزوير الإعلامي المتسلق برهان بسيس إحدى أذرع نداء تونس الحزب الحاكم اليوم في تونس، وهؤلاء ومن دار في فلكهم نخوض اليوم ضدهم حرباً ضروساً وقاسية، تجسدت مؤخراً خاصة في حملة #فاش_نستناوو (ماذا ننتظر؟) التي أربكت السلطة الحالية، وهي حملة ولدت مع شهر الملاحم شهر يناير الذي يعهده التونسيون بالانتفاضات والثورات من الستينات إلى 1972 مروراً بـ1984 إلى مراكمة حراك الحوض المنجمي في 2008 ليتوّج بإسقاط رأس النظام بن علي سنة 2011.

حملة #فاش_نستناوو التي خرجت بصفة تلقائية من روح الشعب ونبضاً له احتجاجاً على قانون الماليّة لسنة 2018 المحتوي على إجراءات مجحفة في حق السواد الأعظم من المواطنين مع تدهور متواصل للمقدرة الشرائية، ورفضاً لهذا القانون المجسدّ لزيادات في مواد أساسية، اعتبرت مجحفة.
كما أن الدولة التي غابت إن لم تتواطأ على السيطرة على مسالك التوزيع لتسقط في يد المافيا التي أضحت تتلاعب بقوت الشعب… هذه الحملة التي أخافتهم في عقر دارهم وحركت بصفة آنية الشارع أجبرت الحكومة لمرات عديدة على إعلان إجراءات عنونتها الحكومة بـ"الأمان الاجتماعي" وصفتها المعارضة بأنها "فلكلورية" و"سخرية على الشعب".

ورغم حجم المصاعب، خاصة الاقتصادية والاجتماعية في تونس، فإن النفس الشبابي الحماسي في مختلف الميادين عازم على تحقيق تونس جديدة ممكنة.

فهيهات تمضي دماكم سُدى، سيجلو عن الثغر كل العدى، ويغزو الصباح جيوش الظلام، المجد والخلود لكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد