أصبحت الاحتجاجات الشتوية في تونس أشبه بعادة سنوية مقدسة، فلا يكاد يمر الشتاء دون أن تشهد عدة مناطق في البلاد حركات احتجاج تبلغ في بعض الأحيان حد التمرد والعصيان المدني، خاصة إن ارتبطت بقرارات حكومية غير شعبية، فالشتاء في تونس اعتاد أن يكون ساخناً منذ فترة الاحتلال الفرنسي.
إلا أن السنوات الماضية شهدت تزعم الشباب لشتى المظاهرات والاعتصامات، وقد يبدو هذا الأمر منطقياً إذا نظرنا إلى الإحصائيات التي تؤكد على التهميش الممنهج الذي تتعرض إليه هذه الفئة العمرية.
فالشباب التونسي اليوم هو أولى ضحايا الإرهاب من حيث الاستقطاب والدمغجة من جهة ومكافحته ومحاربته من جهة أخرى، والشاب التونسي اليوم هو مَن يُلقي بنفسه في البحر بحثاً عن أمل آخر في الضفة الأخرى، والشاب التونسي هو الذي يعاني تبعات أزمة البطالة من تأخر سن الزواج وعدم توافر ظروف الاستقرار، وهو نفس الشياب الذي يدفع ضريبة كل القرارات الحكومية الصعبة.
ورغم محاولات التنظيم في مبادرات وحركات مدنية يبقى دور الشباب التونسي في المشهد السياسي في تونس ضعيفاً جداً من حيث الانخراط وحتى المشاركة في التصويت، إلا أن هذا العزوف لا يعني بالضرورة قلّة وعي أو عدم اهتمام بالشأن العام، بل هو قرار سياسي بمقاطعة النخبة السياسية في البلاد.
هذه النخبة القديمة التي بنيت مع استقلال البلاد في الخمسينات ثم نشأت مع بناء الجامعة التونسية، والتي حرمتها الديكتاتورية من حقوقها في المشاركة السياسية، ولعل مقطع الفيديو الذي انتشر بقوة بعد الثورة لذلك الكهل وهو يصيح: "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" خير رمز للظلم الذي تعرض له هذا الجيل.
الا أن تربع هذه النخبة على مقاليد المشهد السياسي قد حرم الجيل الشاب من حقه في تقرير مصيره وفي رسم ملامح مستقبله وحاضره في مجتمع شاب بامتياز ومعوّل على الشباب، وهو ما يفسر العزوف الطبيعي أمام نخبة بعيدة كل البعد عن هذه الفئة المهمة، وعن تمثيل همومه، واقتصرت على إدماج بعض الوجوه التابعة لها لامتصاص كل نفَس مطالب بالتغيير.
ورغم عدة محاولات لتأسيس مبادرات شبابية يبقى حلم الانتقال السياسي بين الأجيال حلماً صعب المنال، خاصة مع سيطرة روح الثأر المتبادل على الشأن العام بين نظام سابق وضحاياه.
فالأزمة السياسية اليوم لم يعد يمكن تلخيصها في صراع بين يمين ويسار ولا بين حداثة ومحافظة، بل هو بين شباب عازف يحاول بناء نخبته، ونخبة هرمة عجزت عن تمثيل أغلب مجتمعها.
البلاد اليوم في أمَسّ الحاجة لجيل جديد من النخبة يحمل مشعل بناء الدولة حسب متغيرات قرن التكنولوجيا والرقمنة والطاقات البديلة، جيل قادر على أن يتواصل مع شعبه ويعبر عنه بعيداً على التجاذبات الأيديولوجية الضيقة، وأن يكمل ما قد بدأه ذات ثورة في ديسمبر/كانون الأول 2010 عن طريق تحمّل المسؤولية والأخذ بزمام الأمور؛ لاستكمال تحقيق أهداف الثورة، وعلى رأسها الشغل والحرية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.