اسْتَثَارَ القَمْعُ وَالقَهْرُ حَمِيَّةَ الرِجَالْ
فَنَزَعُوا ثَوْبَ الخَجَلِ وَسَعَوا لِكَسْرِ الأَغْلاَلْ
عَلَى حُلْمٍ إِعْتَبَرَهُ البَعْضُ جِدَالاً
سِلاَحُهُمْ الصَوْتُ وَالحَنَاجِرُ الطِوالْ
تَجَمَّعُوا فِي سَاحَةِ مَنْ قَمَعَهُمْ لِسِنِينَ طِوَالْ
تَجَمَُّعوا صَفاً وَاحِداً كَالبُنْيَانِ المَرْصُوصْ ضِدَ الرَصَاصِ وَالقَنَاصِ
وَأَعْطُوا دَرْساً بَلِيغاً للأَجْيَالْ
دَرْساً عِنْوَانُهُ تُونَسَ لَنْ تَمُوتَ بِعَوْنِ عَزِيمَةِ الأَبْطَالْ
قَالُوا: "نَمُوتُ نَمُوتُ وَيَحْيَا الوَطَنْ" فَرُفِعَتْ عَنْ هَذَا الوَطَنِ الأَغْلاَلْ
فِي يَوْمِ الثَوْرَةِ قَالَ لَنَا أَعْمَى العِيَانْ: كُفُّوا عّنْ هَذَا النِزَالْ
فَأَنَا لَسْتُ شَمْساً وَقَدْ كُنْتُ عَلَى ضَلاَلْ
وَأَعِدُكُمْ بِالانْتِقَال مِنْ حَالٍ إِلَى حَالْ
فَرّدَّ عَلَى قُبْحِهِ أَعْتَى الرِجَالْ
فَطَارَ بَعِيداً بِلاَ وَطَنٍ وَلاَمَآلْ
وَفَرَّ مِنْ بَعْدِهِ أَصْهَارُهُ الأَنْذَالْ
بِلاَ جَاهٍ وَلاَ مَالْ
وَخَرَجَ فَصِيحُ اللِّسَانْ بِصَوْتٍ مُتَعَالْ
يَا ابْنَ بَلَدِي هَلُّمَ لِلْاحْتِفَالْ
فَقَدْ هَرَبَ الطَاغِي المُحْتَالْ
وَلِنَضْرِبْ لِبَقِيَّةِ الشُعُوبِ الأَمْثَالْ
عندما نكون من المدافعين عن قضية ما نصير مَرضى بها؛ لهذا كتبت هذه الكلمات؛ حتى لا تذوب في فيض الأكاذيب المزدحمة وينطفئ نور الثورة في قلبي. كتبت هذه الكلمات؛ حتى لا أغرق في تفاصيل الثورة وضباب الارتداد عليها.
كثيرة هي التساؤلات عن حقيقة قيام الشعب التونسي بالثورة على جلّاديه من عدمها. تساؤلات أحسبها مشروعة لحد ما، ولكن ما هو غير مقبول كثرة القراءات، التي مفادها أن ثورة الحرية والكرامة جزء من مخطط أشمل وأقوى من إرادة شعب بأكمله، لا سيما بعد ما تم الترويج له من طرف بعض القنوات التونسية حول كواليس الثورة أو ما سماه بعضهم الانقلاب.
وكتعقيب على ما ورد بمادتهم السخيفة التي تحمل عنوان السبق الصحفي، وما جاء فيه من تزييف للحقائق واستنتاجات غير أصلية، وكما يقال "الشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه" أردت فقط أن أوضح أن ظهور شخصيات محسوبة على النظام البائد على مسرح الأحداث بمثابة الارتداد على الثورة.
هو خطر لطالما كان يهدد الثورة الفرنسية، حسب ما أكده أحد كبار مؤرخي هذه الثورة فرنسوا فوريه؛ إذ يقول: "إن تاريخ القرن التاسع عشر كله كان تاريخ صراع بين الثورة والارتداد عليها".
هذا كله يؤكد أن الصراع على الثورة التونسية ما زال قائماً أيضاً، وعلينا توخي الحذر من الأفكار السامة التي يحقنها بعضُ مَن يتصدرون المشهد السياسي الحالي في ذكريات الشعب وتتوارثها الأجيال القادمة.
انها ثورة مشرفة أقدم عليها الشعب لا محالة، فلا ثورة من دون تضحية، فقد قدمنا دماء أبنائنا فداء لهذا الوطن، ورفع المتظاهرون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، حيث إن هذا يُعتبر أكبر مؤشر لإرادة الشعب التونسي إسقاط نظام الطاغية بن علي.
أما عن مسألة كواليس الثورة الغامضة والدقيقة، وبما أن الحقيقة تُرى ولا تُسمع، بحيث كلما تعمقنا في التمحيص زادت درجات الغموض والضبابية، وهذا في حد ذاته يحفز على المزيد من معرفة الحقيقة لخبايا ثورتنا، التي ستتكفل السنوات بعون المؤرخين بكشفها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.