الفترة التي شهدت فيها إثيوبيا الاستقرار والتنمية والنهضة جديرة بأن تجعلها من كبريات الدول الإفريقية، والتي جاءت عقب فترات طويلة من عدم الاستقرار والحروب التي ظلت تنهش في جسد هذه البلاد في ظل الحكومات المتعاقبة، منذ فترة آخر عهدين لأباطرة إثيوبيا منليك الثاني والإمبراطور هيلي سلاسي، ومروراً بالنظام الأحمر الماركسي للعقيد منقستو هيلي ماريام، والحروب الأهلية التي أدت لهجير العديد من السكان، وخلقت أسوأ سمعة لدولة أراضيها غنية بكل الخيرات.
الآن عقب النهوض الذي شهدته إثيوبيا قامت البلاد ونافست الدول التي سبقتها في التحرر من الفقر، وقدمت العديد من المشاريع التنموية من أجل خدمة شعوبها وتطوير المنطقة التي ظلت تقبع تحت مستوى الفقر لفترات طويلة، تلك النهضة التي كان لا بد من ثمن لها عقب الأحداث الأخيرة التي أدت لعمليات انفلات أمني وأحداث أدت لتوقف حركة السياحة والتنمية والحراك الاستثماري في البلد، عقب أحداث عام 2015-2016 م عملت على زعزعة استقرار البلاد قرابة العام.
استطاعت البلاد تخطي هذه المراحل التي كانت أهمها مرحلة لتقييم النفس، والوقوف على الحراك السياسي، وعلمت الحكومة على وضع مراحل لمعالجة المشكلات التي تراها أنها تكمن في ضعف قياداتها ومشاكل الحكم الرشيد، واستقلال السلطة من قبل بعض القيادات التي كان لها هدف واحد هو استغلال السلطة والتربح غير الشرعي، مما أدى للإضرار بسمعة الحكومة، وعملت البلاد على محاربة الفساد من المستوى القيادي، وعملت على مناقشة مشاكل الحكم الرشيد مع المواطنين من أصغر القواعد إلى أعلى المناصب، للبحث عن مكامن الضعف في الإدارة والحزب الحاكم.
عملت الحكومة خلال المراحل السابقة أيضاً على تحسين السياسة الخارجية وتطورت علاقاتها مع أكبر الدول، واستفادت من تجاربها في الاستثمار والتحول والتصنيع وإقامة المجمعات الصناعية التي وفرت العديد من فرص العمل، وعملت على تطوير دخل البلاد.
ولكن تظل بعض التحديات التي تواجه البلاد، وخاصة الحكومة التي ما زالت تتمسك بقيادات كان لها دور في السابق تاريخياً، ولكن الآن في ظل التغير لا بد من التغيير الذي لجأت له كل الدول في تقديم الفرص للشباب، وأنهت دور المناضلين الذين كان لهم دورهم، وظلوا يتمسكون بكراسي الحكم والمناصب السيادية، بل لا بد من وضع نظام لتعاقب الأجيال، وتقديم فرص لكل الفئات التي سيكون لها مستقبلاً مسؤولية في بناء الدولة، بالرغم من بعض الاختراقات التي شهدتها بعض الأحزاب الإقليمية، والتي أصبحت قياداتها لا ولاء لها للنظام الحالي.
يظل الوضع الآن مهدداً ليس لإثيوبيا فقط، بل حتى لدول الجوار الإثيوبي عقب الأحداث الأخيرة التي يراها المراقبون أنها أي إثيوبيا إذا خرجت من فترة الاستقرار الحالية ستمثل حجر عثرة أمام استقرار المنطقة ككل، التي بها العديد من الخلافات.
التجربة الفيدرالية الإثيوبية
فيما يبدو أن هذه التجربة أكل الدهر عليها وشرب، عقب الأحداث الأخيرة ومناداة بعض الأقليات بمطالب إضافية لا لأنها ليست موجودة فقط؛ لأن الجيل الحالي من الشباب لم يعرف ما كانت عليه البلاد في السابق، وأن التجربة التي كانت تضرب بها الأمثلة الآن سوف تضرب بها عرض الحائط في ظل المطالب التي أصبحت غير واضحة مع التدخلات التي تستهدف إثيوبيا، بسبب العديد من التحركات التي تشهدها البلاد في كافة الأصعدة.
إثيوبيا ودول الجوار
إثيوبيا التي لها علاقات جيدة عملت على تطويرها خلال الحقب السابقة مع كل جيرانها، إلا إريتريا التي دخلت معها في حرب استمرت قرابة الأربعة أعوام قضت على العديد من المصالح المشتركة بين الشعبين، والتي أصبحت حجر عثرة أمام استقرار مناطق الشمال الإثيوبي بتدخلاتها وعملياتها المشبوهة تارة لحساب دول أخرى، وتارة بدعم المعارضة الإثيوبية وجبهة تحرير أورومو ومجموعة قنبوت 7 المعارضة، وتظل إريتريا هي المنفذ الوحيد الذي يشكل العبء الأكبر لاستقرار إثيوبيا، وخاصة في ظل التهديدات التي تشكلها بعض الدول التي تسعى لإيقاف التنمية الإثيوبية، ولها مآرب أخرى في المنطقة.
ضعف الحكومة المركزية
هل يمكن أن تضعف الحكومة الإثيوبية الحالية والتي تعتبر النظام الوحيد الذي حكم البلاد واستطاع أن يتعرف على مكامن الضعف والقوة في هذه البلاد وتحقق ما فشل في تحقيقه الجميع؟ أم أنها سوف تتخطى تلك الصعاب وتعود بقوة خلال المراحل القادمة؟
الفترة القادمة قد تشكل عبئاً على الحكومة بتكاتف أعداء إثيوبيا الذين يتبنون المعارضة الإثيوبية بكل ألوان طيفها من أجل زعزعة كيان هذه البلاد التي صدمت لفترة طويلة، في ظل تفاقم الأحداث التي مرت بها إثيوبيا والتي كانت لها تحديات متمثلة في مواجهة الإرهاب المتمثل في حركة الشباب الصومالي ومجابهة أنشطتها ومواجهة المعارضة الإثيوبية التي تتشكل وتتفتت من وقت لآخر، وشعب يحلم بالعديد من الإنجازات مع تزايد عدده من وقت لآخر، وهذه التطورات والإنجازات قد يكون لها ثمن قد يصل للحروب مع بعض الدول والجهات التي قد تعمل على تراجع الجهود التي بذلت خلال ربع قرن من الزمان.
الواقع الآن في إثيوبيا يضع خيارين للبلاد؛ إما أن تتصدى لكل الأحداث والمواجهات الخارجية وتعود الحكومة بكل قوة لفرض سيطرتها على الأمن ودحر التحركات والأعمال العدائية التي تعرف أهدافها، أو أن تتنحى الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية عن حكم البلاد، وهذا قد يقود البلاد لمرحلة أخرى من التدهور، مما قد يفقدها مكانتها؛ لأن الأحزاب الحالية ليست بأحزاب أو حركات تستطيع أن تقود البلاد في ظل هذا التنوع؛ لأنها ضعيفة قيادياً وفكرياً لمواجهة التحديات التي تقف أمام إثيوبيا كدولة بدأت تنمو لتكون ضمن مصاف الدول المتطورة المؤثرة في المنطقة.
تلعب إثيوبيا أدواراً كبيرة في المنطقة، ولها علاقات مع كل الدول التي تعتبر مؤثرة، ولا تجدها تقف مع دولة دون الأخرى، ولكن السياسة التي بدأت تنتهجها تلك الدول في وقتنا الحالي هي إما معي أو ضدي، خاصة في ظل التكتلات الأخيرة التي تشهدها دول القرن الإفريقي التي تقف مع دول ضد الأخرى قد تجد إثيوبيا نفسها ما بين دول تتصارع لكسب مناطق ونفوذ أخرى في المنطقة، مما يجعل إثيوبيا تفقد مكانتها في المنطقة في وقتنا الحالي، والعالم يشهد مزيداً من التكتلات حتى للدول التي لم يكن لها يوماً من الأيام صيت في الحراك الإقليمي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.