إذا جاز أن نطلق وصفاً على السنة التي نودِّعها، فسيكون لا محالة أنها "سنة سياسية" بامتياز؛ نظراً إلى الأحداث المهمة والمتزاحمة التي شهدتها بلادنا، حيث عرفت بروز أسماء سياسية جديدة-قديمة ونهاية أسماء أخرى ظلت تشغل الفضاء العمومي عقوداً.
غير أن زعيماً واحداً استطاع أن يحافظ على أسهمه في بورصة السياسة المتقلبة خلال العام الماضي، هو عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية. فلماذا استحق بنكيران شخصية 2017؟
أولاً: استطاع الرجل أن يصمد خلال 6 أشهر من "البلوكاج الحكومي" أمام كل الضغوطات التي مورست عليه، في أطول معركة تكسير عظام بين الدولة والأحزاب. المقصود لم يكن هو بنكيران نفسه؛ بل السلطة التنفيذية، باعتبارها جهازاً مستقلاً كما أَقر ذلك دستور 2011، حيث سعت الجهات التي ظل بنكيران يسميها "التماسيح والعفاريت"، إلى تشتيت القرار الحكومي بين عدة فاعلين، منهم من عاقبه المغاربة في انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
صحيحٌ أن "التحكم" نجح بالنهاية في إفشال بنكيران وإبعاده عن هذه المشاورات، لكن ما وقع خلال تلك الفترة سلط الضوء من جديد على المسألة الديمقراطية ببلادنا، وطبيعة النخبة الحزبية، والعلاقات بين السُّلط، وغيرها.
المهم في كل هذا، أن بنكيران لم يُزكِّ هذا الانقلاب الناعم على المنهجية الديمقراطية ورفض أن يكون مجرد رئيس حكومة شكلي، وظل متشبثاً بمخرجات صناديق الاقتراع، مسجلاً بذلك اسمه في لائحة الزعماء الكبار الذين يسكنون المخيال الجمعي للمغاربة.
سيذكر التاريخ لبنكيران هذه المواقف وتعامله مع "واقعة الإعفاء" كرجل دولة، من خلال التفاعل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي، في الوقت الذي كان بإمكانه خلط الأوراق.
ثانياً: خلال السنة الماضية، واجه بنكيران أصعب امتحان، بصفته أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية منذ انتخابه سنة 2008، لكن الزعيم الإسلامي تمكَّن -رغم صعوبة المرحلة ورغم الاختلاف الحاد في التقديرات بين قيادات حزبه- من الحفاظ على وحدة "المصباح"، مخيباً بذلك آمال كل المتربصين بهذه التجربة. ولذلك، خرج حزب العدالة والتنمية من مؤتمره الثامن بأقل الأضرار الممكنة، عكس ما وقع لأحزاب أخرى.
ثالثاً: ظل بنكيران يحتفظ برأيه في موضوع "الولاية الثالثة" لنفسه رغم أنه كان معنيّاً بها بشكل مباشر. ورفض تصدير الأزمة إلى المؤتمر الوطني، حاسماً في حينه الجدل حول أحقية المجلس الوطني للحزب في مصادرة حق المؤتمر، كأعلى هيئة تقريرية، في قبول أو رفض تعديل مواد النظام الأساسي، رغم أن كل المؤشرات كانت تسير في اتجاه تعديل المؤتمر للمادة الـ16، التي تحصر تولي منصب الأمين العام في ولايتين فقط.
بنكيران اختار في النهاية أن يمنح نفسه إجازة مفتوحة لإعادة ترتيب أوراقه، رافضاً عضوية الأمانة العامة ورئاسة المجلس الوطني للحزب. هذا القرار لم يكن رد فعل نفسياً على موضوع "الولاية الثالثة"، بقدر ما كان، في حقيقة الأمر، رد فعل سياسياً وجواباً عملياً على ما أثير حول إمكانية انتقام بعض الجهات منه في حال لم يعد أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية.
في الأخير، استحق رئيس أول حكومة مغربية بعد الربيع الديمقراطي، لقب شخصية 2017؛ لأنه استطاع أن يضمن لنفسه طريقاً سريعاً للعودة، رغم المحاولات الحثيثة لإبعاده المادي والمعنوي عن المشهد السياسي ببلادنا من طرف "العفاريت والتماسيح"، ومن يدري لعل هذه العودة ستكون أسرع مما نتوقع. كل عام وبنكيران بألف خير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.