نزوات ترامب واللوبي الصهيوني الأميركي

لقد كان نقل السفارة الأميركية طلباً أساسياً مُلحّاً، ومطلباً تقدمت به هذه المجموعات في الماضي، وقد وعد العديد من المرشحين السابقين بأن يفعلوا شيئاً من هذا القبيل، بمجرد انتخابهم، لكن وجدوا جميعاً أعذاراً للبقاء بعيداً عن اتخاذ القرار الخطير، بسبب العواقب الوخيمة والمحتملة في المنطقة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/30 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/30 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

إعلان الرئيس الأميركي ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، إقراراً منه بأنها عاصمة إسرائيل الرسمية، هو من ناحية قرار جريء غير مسبوق إلا أنه سيلطخ لائحة إنجازاته السياسية الباهتة لهذه السنة كقرار مجحف ومتهور.

الرئيس الأميركي النزق، لا يحب شيئاً أكثر من خلق الفوضى، وتوليد حالات عدم اليقين والارتباك لدى المراقبين، بدءاً بتحركاته وتكتيكاته على صعيد أميركا الداخلي، ونهاية بالذهاب عكس مجرى المفاوضات السلمية وضد الإجماع العالمي بخصوص القضايا الأكثر حساسية والمتفق على حلها دولياً.

فقراره الذي يشبه ركلة ارتجالية كبيرة في حلبة الساحة الدولية (رغم أنها ركلة منحرفة وغير موفقة، وستكون لها تداعيات وخيمة في القادم من الشهور) لا يفشي إلا طموحه الشخصي الصلف، في تأكيد حضوره العالمي المستفز، أولاً بقلب الطاولة الدبلوماسية في وجه الجميع، وثانياً بالاستمرار في محاولة لاهثة لإعادة مراجعة الاتفاقيات، التي أبرمها سلفه الديمقراطي السابق في الرئاسة "أوباما"؛ طمعاً في الحصول على صفقات أفضل، ستنفخ مزيداً من غروره الاستعراضي، إذا نجحت، و لن ترضي خاصة إلا فئة واسعة من أتباعه اليمينيين الذين انتخبوه.

فصراحة، بتجاهله نصيحة مستشاريه المقربين، متحصناً بهيبة قلعة البيت الأبيض السيادية، لإصدار هذا القرار المشؤوم، القاضي لأول مرة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، سيكون دونالد ترامب قد انتهك بصفاقة، غير معهودة، تلك الأساليب السياسة الأميركية المرنة، في المراوغة والتماطل والإرجاء، التي يتقن سابقوه الرئاسيون نهجها لتفادي تلويث سمعتهم التاريخية.

فكأنه يريد أن يقطع بالمرة مع نفاق أسلافه في الرئاسة، الذين كانوا ملزمين تشريعياً، من حيث المبدأ، أن ينفذوا قرار الكونغرس الأميركي الصادر منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي، الذي يطالب كل حكام الولايات المتحدة القادمين بنقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس.

لكن معظم الرؤساء المتعاقبين أرجأوا هذا النقل دائماً، واحترزوا من عواقبه السياسية الثقيلة، متحرجين خاصة من تنافيه الواضح وبالمطلق، مع قرارات الأمم المتحدة والقوانين الدولية.

ويكون بهذا أيضاً، قد أنزل بفجاجة إلى ميدان القرار السياسي الأميركي النافذ، وعداً خطيراً، كان أعطاه متحمساً في حملاته الانتخابية السابقة لداعميه المتشددين، مدغدغاً به آمال الناخبين الإنجيليين "المتصهينين"، وكذلك المانحون الأثرياء المؤيدون، بقوة، لسياسة حكومة إسرائيل اليمينية الاقصائية، دون أي اعتبار، إلى حتى ما يمكن أن يثيره هذا، من التوترات والاضطرابات في المنطقة، ومن التنديد والاحتجاج في العالم كله، وما سيخلفه من تداعيات مؤثرة سلبياً على شروط استتباب السلم الإقليمي في الشرق الأوسط.

فـ"اللوبي" كقوة جماعية لائتلاف فسيفسائي من الأفراد والمنظمات المتفرقة، والذي يستبان في لحظات فارقة من تاريخ القرارات الرئاسية، منذ ما قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول بسنوات وما بعدها، وخاصة الآن، في فترة صعود نجم دونالد ترامب، أنهم ما زالوا يقودون السياسة الأميركية في اتجاه يتسم بتأييد تحركات إسرائيل بشكل مستمر ومتواطئ.
وللإنصاف هذا اللوبي لا يمثل وجهات نظر الجميع، أو حتى غالبية اليهود الأميركيين، ولكنه يعتمد على تعاظم أنشطة الموالين للصهيونية من سكان المدن الكبرى عامة، وأن السمة الغالبة، راهناً، على حضورهم البارز، أنهم صاروا يتميزون ميدانياً، عن جماعات المصالح الأخرى غير الصهيونية، بنجاحهم ونفوذهم الإعلامي.

ثم من ناحية أخرى وفي نفس الاتجاه، قراره الأحادي هذا، جاء ليتناسب ويتطابق مع المساندة والدعم، الطويل الأمد، للسياسة المحابية لتصرفات إسرائيل المشينة، من طرف مسؤولي أميركا.

ويؤكد، حتى لا تبقى هناك ذرة شك، النفوذ المتغلغل والمستمر لبعض مجموعات اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل كما أشرنا سابقاً.

ولتوضيح الأمر أكثر:
لقد كان نقل السفارة الأميركية طلباً أساسياً مُلحّاً، ومطلباً تقدمت به هذه المجموعات في الماضي، وقد وعد العديد من المرشحين السابقين بأن يفعلوا شيئاً من هذا القبيل، بمجرد انتخابهم، لكن وجدوا جميعاً أعذاراً للبقاء بعيداً عن اتخاذ القرار الخطير، بسبب العواقب الوخيمة والمحتملة في المنطقة.

ففي هذه الحالة، وبدون ريب، كان ترامب مشجعاً ومدفوعاً بشكل مباشر وغير مباشر، من قبل أشخاص منخرطين في حلقات مجموعات الضغط مثل هذه.

وهذا مؤشر نوعي على التأثير، الخفي والفاعل، الذي لديهم، وما زالوا يمارسونه بنشاط منذ فترة طويلة.

وللإشارة فهناك تباين أكبر في الرأي بين جماعات اللوبي النشطة والفاعلة، داخل المؤسسات الأميركية؛ لذا فإن عناصر مجموعة مثل "جيه ستريت" J -STREET التي تؤيد كثيراً حل الدولتين وتسوية سلمية للنزاع العربي – الفلسطيني الإسرائيلي، ليسوا سعداء بهذا القرار الأحادي؛ لأنهم يدركون أنه سيجعل أي جهد لإيجاد صيغة مشتركة في بلورة اتفاق السلام بين الأطراف المعنية، أكثر صعوبة.

لكن جماعات مثل "أيباك" AIPAC أو المنظمة الصهيونية الأميركية ZIONIST ORGANIzATION OF USA تدعم هذا الأمر، دون مواربة أو التفاف؛ لأنها تميل إلى أن تكون فطنة جداً لما تريده وتخطط له الحكومة الإسرائيلية اليمينية، في السر والعلن. وأيضاً لأنهم يرون أنفسهم مدافعين شرسين عن مشروع إسرائيل الكبرى، في أفق انتظار أن ينتهي الأمر بنجاح مهمة دولة إسرائيل في السيطرة على كل الأراضي، بما في ذلك مدينة القدس كمَحَجّ وعاصمة أبدية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد