تصاعدت وتيرة الخلافات العرقية والقبلية في الآونة الأخيرة في إثيوبيا في ظل بعض المطالب لبعض القوميات في المناصب وبعض المطالب التي ظلت تتأرجح ما بين السياسية والاقتصادية، مما أدى لظهور حالة من عدم الاستقرار في بعض الأقاليم الإثيوبية، وكانت الأحداث قد بدأت منذ العام 2015 في ظل ظهور بعض المطالب بإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين الذين تم القبض عليهم لاشتراكهم في عمليات تأجيج الصراع في بعض المناطق وتدمير الأموال العامة، وإغلاق الطرق في عدد من المناطق في إقليم أروميا والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وكانت أحداث إقليم أروميا وإقليم الأمهرا قد تصدرت الموقف في إثيوبيا، وأدت لتعطيل الحياة العامة، والإضرار بالعديد من المشاريع الاستثمارية للمستثمرين الأجانب داخل البلاد، مما أدى لتوقف الحراك الاستثماري وحركة السياحة التي أدت لتعرض البلاد لخسارة كبيرة في هذا القطاع، مما جعل العديد من الدول تمنع رعاياها من دخول البلاد، وخاصة مناطق الصراعات في كل من مدن أروميا وإقليم الأمهرا.
هذه الأحداث التي اتهمت الحكومة فيها جهات خارجية لتأجيج الصراع على خلفية بعض الملفات في عدد من القضايا في وقتها، وصل الأمر بالحكومة إلى أن أعلنت حالة الطوارئ في البلاد لمدة ستة أشهر، وأضافت أربعة أشهر أخرى حققت المرجو منها خلال فترة عام كامل، وانتهت حالة الطوارئ ودخلت البلاد مرحلة الهدوء الوقتي، ثم ما لبثت أن تصاعدت الخلافات مرة أخرى، وهذه المرة بدخول دائرة الصراع إقليم الصومال الإثيوبي (أوغادين) في خلاف بينه وبين إقليم أروميا فيما يخص قضية الحدود وتهجير مواطني الإقليمين، وتضرر عدد كبير منهم ما بين قتيل ومصاب، وحادثة منطقة تشلانكو في إقليم أروميا التي راح ضحيَتها عدد من أبناء المنطقة بعد تدخّل قوات الجيش الإثيوبي، إثر اعتراض بعض الأفراد لبعض الطرقات، وتصاعد الخلاف وعدم قدرة قوات الشرطة الفيدرالية على السيطرة على الأوضاع في المنطقة، وتصاعدت وتيرة الخلاف، الشيء الذي وصل للاقتتال وأدى لتشريد عدد من مواطني تلك المناطق، بل وصل الأمر أن أدت بعض الحوادث التي وصفها العديد من الخبراء بأنها أحداث عرقية، وتمت إبادة عدد كبير من الأفراد فيها، وخاصة الحادثة الأخيرة التي جعلت رئيس الوزراء يقدم بياناً حول الأحداث الجارية في البلاد مؤخراً، وكان نص البيان الذي قدمه رئيس الوزراء الإثيوبي كالآتي:
"خلال الأيام الماضية وبسبب الأحداث التي حدثت في عدد من المواقع في مناطق مختلفة من البلاد، والتي عملت على الإضرار بعملية السلام والديمقراطية في البلاد وإعاقة التنمية، وأدت لوفاة عدد من الأفراد وتهجير العديد من المواطنين من مناطقهم، وأدت إلى دمار العديد من الممتلكات ، هذه الأحداث التي أدت لإعاقة عملية السلام والديمقراطية التي شهدتها البلاد لفترة طويلة، وخاصة في إقليم أروميا وإقليم الصومال الإثيوبي، وفي بعض المناطق التي حدثت فيها تلك الأحداث.
وقد عملت الحكومة الفيدرالية مع الحكومتين الإقليمية لأروميا والصومال الإثيوبي على حل هذه الخلافات، وكانت قد توصلت لنقاط حل هذه الخلافات، ولكن الأحداث عادت مرة أخرى، مما أدى لوفاة عدد من المواطنين وتدمير الأملاك وإصابة العديد الآخرين.
في منطقة غرب ههرقي في منطقة تسمى دلو لوبي في لجنة قادلي كان يوجد العديد من الأفراد من أبناء الصومال الإثيوبي الذين احتموا بمركز للشرطة، والذين تم تنفيذ عمليات قتل جماعي ضدهم، وأعلن نيابةً عن اسمي واسم الحكومة الفيدالية عن بالغ حزننا لهذا الحادث المؤسف الذي راح ضحيته عدد من المواطنين الأبرياء، وتعازينا الحارة لأسر الضحايا ولكافة أبناء الوطن.
وإن الحكومة ستعمل على تعقّب الجناة ومتابعة القضية من قِبل لجنة الأمن الخاصة للتصدي للأحداث، وسوف نتخذ إجراءات صارمة ضد الجناة، وكل من ثبت تورطه في هذه الأحداث، وسنعمل على عرض كافة التفاصيل والنتائج التي توصلنا إليها على الشعب خلال الأيام القادمة، وكذلك ما حدث في منطقة تشلانكو في إقليم أروميا من أحداث راح ضحيتها عدد من أبناء إقليم أروميا ما بين قتيل وجريح، وهنا أيضاً أعبر عن حزني وحزن الحكومة لما حدث في تلك المنطقة وأتقدم بتعازييّ الحارة لأسر المكلومين وكل الشعوب الإثيوبية".
ومع هذه الأحداث كانت أحداث الجامعات الإثيوبية التي قامت في عدد منها في كل من جامعات عدي قرات، والتي قتل على أثرها طالب من إقليم الأمهرا، وعقب ذلك قام مواطنو بعض المناطق في إقليم الأمهرا بقطع الطريق، واعتراض طريق السيارات القادمة من إقليم تقراي والمتجهة إلى العاصمة أديس أبابا، وأحداث جامعة ولقا في غرب إثيوبيا بإقليم أوروميا، التي قُتل على أثرها عدد اثنين من الطلاب من إقليم تقراي وأحداث جامعات بالي وبحردار وامبو والتي راح ضحيتها عدد من الطلاب في تلك الجامعات جراء أعمال العنف التي قامت في تلك الجامعات بسبب النعرات القبلية التي أدت لتوقف الطلاب عن التعليم في بعض الجامعات، والعودة لمناطقهم، وكما هو معلوم فإن فكرة التواصل بتوزيع الطلاب على مختلف الجامعات الولائية الهدف منه هو التواصل بين أبناء الإقليم مع الإقليم الآخر والتعرف على ثقافة الغير، وفيما يبدو فإن هذه التجربة لم تحقق الهدف المرجو منها عقب اندلاع تلك الأحداث، وعودة طلاب كل منطقة لمناطقهم جراء الأحداث.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد حاولت فرض سيطرتها دون جدوى، بل ازداد الوضع سوءاً في بعض المناطق جراء الأحداث الأخيرة في تقراي وولقا، وتحدث رئيس الوزراء الإثيوبي في البيان حول تلك الأحداث قائلاً:
"إن الأحداث التي حدثت في تشلانكو وشرق هررقي وبورونا وقوجي وبالي وبعض المناطق الأخرى في البلاد والتي حدثت في الأيام الماضية في تشلانكون وولقا ودبرتابور وولديا وبهردار وقندر، وأحداث منطقة أمبو وإصابة عدد من الطلاب ووفاة عدد من المواطنين، إنه لحدث مؤسف، نعلن عن بالغ حزننا لما حدث على الطلاب وتعازينا لأسر المتوفين والمصابين.
وخلال فترة 25 عاماً من أجل توفير التعليم بصورة عادلة وتطوير الخدمة التعليمية قمنا بجهود كبيرة من أجل هذا الدور، وعملنا على تطوير العديد من الخدمات، وتم فتح أكثر من 50 جامعة في مختلف مناطق البلاد، وتم إدخال أكثر من مائة ألف طالب في مختلف المؤسسات التعليمية، وتم تصحيح كافة الأوضاع من أجل تطوير خدمة التعليم لهم.
ولكنه ظهرت العديد من المشاكل وسط الطلاب، وخاصة المشاكل الإدارية وقدمت العديد من الجهود لحل هذه الإشكاليات، والآن حدثت من جديد العديد من المشاكل في عدد من الجامعات الولائية، وقد حلت العديد من المشاكل بمشاركة الحكومة الفيدرالية وحكومة الأقاليم ورجال الدين ومديري المؤسسات التعليمية وتوصلنا لمواصلة التعليم، وقد اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات لحل مشاكل الطلاب في الجامعات المختلفة.
وتم تحريك العديد من القوات بمشاركة قوات الأمن لفرض الأمن والاستقرار وسط الطلاب وحظر التجول داخل الجامعات في أوقات محددة.
وسيتم اتخاذ كافة الإجراءات والتحوطات لحل مشاكل الطلاب داخل الجامعات ومختلف المناطق في البلاد؛ لحفظ الأمن والاستقرار وحماية المواطنين، وإن الأحداث التي تحدث في الجامعات في كل من أروميا والصومالي الإثيوبي تعيق الحراك التنموي والسلام والاستقرار في البلاد، وتؤدي لدخول البلاد لمرحلة خطرة".
ظلت بعض الأحداث تتصاعد في عدد من المناطق بسبب بعض المواضيع والقضايا، مثل أحداث الشغب التي اندلعت بسبب مباراة كرة قدم بين فريق مدينة ولديا ومدينة مغلى، والتي تم تسييسها بصورة كاملة، مما أدى لتدخل بعض الجهات في الأمر، وتصعيد الخلاف على أساس عِرقي بين أبناء إقليم تقراي والامهرا في حادثة فريدة من نوعها بين أبناء الإقليمين المتداخلين، وإحراق العديد من الممتلكات لأبناء تقراي من التجار المتواجدين في المدينة، وخروج الشباب في مدينة مغلى في تظاهرة احتجاجاً على بعض الأحداث التي حدثت في ولديا، وتصاعدت أعمال العنف في بعض مناطق أروميا بسبب تدخّل قوات الشرطة وقوات الجيش الإثيوبي الذي حاول السيطرة على الوضع في مناطق الخلافات على الحدود الإثيوبية – الصومالية.
فيما يبدو حسب بعض الخبراء المتابعين للشأن الإثيوبي أن هذه الأحداث هي بداية لصراع قبلي سيجتاح البلاد، وأن على الحكومة أن تتخذ كافة التدابير للتصدي لمثل تلك الأحداث حتى لا تدخل البلاد في دوامة الحرب الأهلية، وخاصة أن القادم في ظل التحديات الخارجية أكبر، ولا يمكن أن تصمد الحكومة في مجابهة عدد من التحديات التي تواجهها داخلياً وخارجياً متمثلة في الحركات المعارضة التي تتواجد في الخارج والتي بدأت تصحو من سباتها بفضل الدعم الخارجي، ومطالب بعض القوميات الإثيوبية التي ترى أن لها حقاً أكثر من الذي منح لها خلال الأعوام السابقة.
فيما يبدو أن النهضة التي قدمتها البلاد غير كافية في وقتنا الحالي قد تحتاج لقوة رادعة لحمايتها من المخربين الذي يعيقون عمليات التنمية والتقدم التي تشهدها الهضبة الإثيوبية، وإذا تعرضت إثيوبيا لأي صراع خلال هذا العام كفيل بأن يؤثر على المنطقة ككل في ظل التوترات التي تجتاح المنطقة، ابتدءاً من الصومال وجنوب السودان وشمال كينيا وبعض المناطق في جنوب وشرق السودان وإريتريا التي لم تجد الاستقرار عقب انفصالها من إثيوبيا، وقيادتها من قِبل الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا التي وجدت رفضاً داخلياً وخارجياً، وتعتبر المهدد الرئيسي للأمن لمناطق شمال إثيوبيا".
السؤال هنا: هل سيتم إيقاف المشاريع التنموية جراء تلك الأحداث التي بدأت تجتاح إثيوبيا من عدة مناطق، وخاصة في المناطق المحيطة بالعاصمة أديس أبابا في إقليم أروميا والتي تعتبر الممر والمنفذ لكل التحركات من وإلى العاصمة من تلك المواقع، والتي يجري فيها الحراك التنموي بصورة كبيرة؟
قد تكون الأحداث القادمة شاهداً على مرحلة جديدة من تدفق اللاجئين لدول الجوار إذا تطور الوضع أكثر مما هو عليه في ظل الأحداث المتواصلة في أروميا وبعض المناطق، وفي هذه المرحلة قد لا يكون هنالك مفر إلا لدولة السودان التي تعود الإثيوبيون اللجوء إليه خلال الخلافات والأحداث السابقة التي تعرضت لها البلاد منذ عهد الإمبراطور هيلي سلاسي، مروراً بعهد العقيد منقستو هيلي ماريام، في ظل التوترات التي تشهدها جميع دول المنطقة، الشيء الذي سيشكل عبئاً على المجتمع الدولي والمنطقة ككل، مما قد يؤدي لنقل الصراع لمناطق أخرى، كما كان في السابق إبان حركات التحرر الوطني لإثيوبيا (الاتحاد الديمقراطي الإثيوبي – جبهة تحرير شعب تقراي) التي كانت تلجأ للسودان وتتحرك منه لمقاومة نظام الدرق الماركسي العسكري.
الموقف الآن في إثيوبيا يدعو للتأمل والمتابعة في ظل نهضة ومطالب لم تكن متوافرة في السابق، ولكنها مع مرور الوقت أصبحت مطالب لجيل جديد من الشباب مثقل بالهموم أمام تحديات اقتصادية تشهدها المنطقة، وخاصة إثيوبيا التي تعتبر معظم مشاريعها التنموية محلاً لرفض للبعض، الشيء الذي يجعل البعض يربطون أي خلاف داخلي بهذا الموضوع.
تواجه الحكومة الحالية التي ظلت لأكثر من عقدين من الزمن تقدم العديد من الجهود التنموية حالة من عدم الاستقرار التي بدأت واضحة في بعض المناطق، وخاصة داخل الحزب الحاكم، وانسحاب بعض القيادات منه، وذلك بعدم الإقدام على السيطرة على بعض المواقف المتخبطة التي جاءت من بعض الجماعات والقيادات الحزبية التي تعمل على تقويض الأمن في البلاد، وتعمل على زعزعة استقرار المواطنين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.