أعلن رئيس الحكومة العراقية النصر في معركة الإرهاب، ولا تزال الكثير من المعارك الملتهبة تنتظر منها ما ينتظر الحسم، ومنها ما يحتاج إلى قرار البدء، والمعركة الأبرز بل والمصيرية هي معركة الفساد التي ما كان لغيرها من المعارك أن تقوم لو أن النخب السياسية الحالية اختارت مكافحتها منذ اللحظات الأولى لظهورها هذا لو أخذنا بعين الاعتبار جدية التصريحات عن مكافحة الفساد بعيداً عن التسقيط والدعاية الانتخابية، وضرورة ذكر عبارات كهذه رنانة في اللقاءات.
أدوات الانتصار في معركة الفساد في العراق متوافرة، لكنها تفتقر لمن يحسن استغلالها، ويعمل على تحقيق إنجاز حقيقي ينتظره الشعب منذ 14 عاماً، وهي لا تكتفي بالوعيد والتهديد، بل ينبغي لمن يريد التخلص من وباء أنهك المواطن وثروة الوطن أن يستغل الوقت أيضاً، فالفرص لا تنتظر أحداً، ولا تتكرر أيضاً.
لا شكَّ أن الشعب الذي ينتظر نصراً في محاربة الفساد لن ينتظر السيد العبادي كثيراً؛ ليعلن أسماء كبار الفاسدين ممن كشفت اللجنة العليا لمكافحة الفساد عنهم، طبعاً ليس كرهاً بالعبادي بالضرورة، لكن ببساطة ثقة الشعب بمثل هذه التصريحات لم تعد كما كانت، هذا إن وُجدت من الأساس.
الجانب الأهم أن الشعب لم يعد يهتم بمظاهر القداسة التي سبق أن منحها لشخصيات لعبت دوراً سياسياً كبيراً في الدولة، والتي كان لها الأثر الكبير في صعود الأحزاب التي تتخذ من الهالة القدسية والدين منهجاً لعملها، بل أبعد من ذلك ذهبت إليه المرجعية الدينية نفسها، التي أعلنت بما لا يقبل الشك أن الفساد والفشل في العراق تتحملهما جميع أحزاب السلطة، ورفضها استقبال عدد كبير من السياسيين خير دليل على التطور السياسي الكبير في العراق، وهو ما يعطي الأفضلية لرئيس الوزراء ليطبق القانون على الجميع دون استثناء لهذا، بسبب نفوذه السياسي أو ذاك بسبب نفوذه الديني طبعاً، إن كان جادّاً فيما وعد به.
تحقيق النصر على الإرهاب رفع من الروح المعنوية للشعب، هذا لا خلاف فيه، وكذلك رفع الرصيد الشعبي للسيد العبادي، لكن المعنويات المرتفعة لا تعني أن الشعب تناسى الفساد، وشعبية العبادي زيادة في حجم مسؤولياته، وبضمنها الوعود التي أعلن عنها ولاقت هجمة من شركائه في العمل السياسي، معتبرين كلام العبادي مجرد أحلام؛ نظراً لحجم الفساد وقوة القائمين عليه.
الحرب على الفساد لا تحتاج إلى تحذير، بل خطة، ولا تحتاج إلى وعود بل عمل، ولا تحتاج إلى تكليف بل هي واجب، وتوافر الخطة والعمل ومعرفة الواجب كافية لإسقاط كبار المتورطين في الفساد، مهما كان منصبه أو موقعه، سواء السياسي أو الديني، فهذه الأمور لم تعد مهمة بالنسبة للمواطن العراقي الذي عرف أن زيادة بؤسه وفقره سببه زيادة احترامه وتقديسه لقادة لم تكن تعرف الشعب إلا في الانتخابات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.