لماذا فشل تنظيم الدولة الإسلامية؟

ولم يلجأ النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الانتحاريين في غزوة بدر أو غزوة أحد أو غزوة الخندق، وكانت نزاهة القتال المحرك في تحديد استراتيجيات المعارك، ولو كُتب لمسلم أن يموت في المعركة، فكان سيلتحق بالشهداء، إنما المسلمون في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن هدفهم الموت لتحقيق الشهادة فقط مثلما هو الحال مع مقاتلي الدولة الإسلامية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/16 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/16 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش

ذُكر في الحديث النبوي أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قال ""إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ". ويزعم مقاتلو الدولة الإسلامية أنهم حقّقوا مقولة النبي هذه، فما يرددونه من شعارات سريعة التحضير مثل "في سبيل الله" و"على المنهج النبوي" ينطوي على هذا، إلا أن خلافتهم قد تفككت وانكمشت. فما سبب هذا السقوط وهذا الفشل الأيديولوجي للدولة الإسلامية؟

أُعلنت الخلافة في يوليو/تموز 2014، واتسعت أكثر ما اتسعت لمساحة تماثل مساحة المملكة المتحدة، وضمت بين أرجائها 6 ملايين من "الرعية".

وقد ظهرت الخلافة نتيجة فراغ السلطة الذي نشأ بسبب صراع مختلف القوى السياسية في العراق، والحرب في سوريا التي اندلعت في مارس/آذار 2011.

وقد أصبح للخلافة مكان على الخريطة السياسية العالمية بفعل اللعبة الجيوسياسية، وذلك بفضل الدعم الصامت من مموّلين غير معروفين من دول الخليج، وكذا بفضل الخطة المحكمة لرؤية الدولة الإسلامية فيما يخص تشكيل خلافتها، إضافة إلى التأثير الكبير الذي تركته الخلافة على شباب المسلمين حول العالم، خصوصاً من الغرب.

وباتت الخلافة جزءاً من النظام العالمي، فأصبح عليها أن تفكر في سياسات ملائمة تتفق مع هذا النظام العالمي.

ولكن عندما أعلن "الخليفة الجديد" أبو بكر البغدادي الخلافة في يوليو/تموز 2014، أقرّ في خطبته أن "الإرهاب هو عبادة الله كما أمرك"، وبذلك أقر أن الإرهاب سيكون منطق سياسات الخلافة أيضاً.

ولم يتردد مقاتلو الدولة الإسلامية في تطبيق هذا المنهج، وقد رأت الدولة الإسلامية أن أياً ممن لم يصدق على أهدافها عدو لها. ولكل من حكمت عليه بأنه عاصٍ أو خارج أو كافر أو مرتد أو "صليبي"، عقاب واحد: القتل. وبقسوة لا يمكن لعقل أن يتخيلها أو يتقبلها، أخذ التنظيم يعرض جرائمه ضد الإنسانية على الإنترنت: من أفلام تعرض لحرق الناس وتفحمهم وغرقهم وجز أعناقهم بالسكين.

ولكن ها هي الخلافة تنزف وتتحلل، والسؤال الآن: كيف يفسّر مقاتلو الدولة الإسلامية هذا؟ فهل الخلافة حقاً كانت "في سبيل الله" و"على المنهج النبوي"؟ لنرَ: هناك شيء واحد نحن واثقون من صحته، وهو أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد حقق فوزاً كبيراً، ففي حياته قد نجح -صلى الله عليه وسلم- في تأسيس دولة ضمت الجزيرة العربية بأكملها. حتى وإن حاربه قومه في مكة في البداية، ولم يؤمنوا برسالته السماوية، إلا أنه استطاع أن يبرم معهم صلح الحديبية ويعقد هدنة مدة عشر سنوات.

وقد كان صلى الله عليه وسلم حاذقاً فطناً خلال هذه الهدنة؛ حيث تحقق له فتح مكة في نهاية المطاف ودخلها دون عنف.

وعلى مدار حياته الكريمة، تمكن النبي (صلى الله عليه وسلم) من إقناع قبائل في الجزيرة العربية بالرسالة العالمية للإسلام وبوجود رب الرحمة والمغفرة والتراحم.

ولم يلجأ النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الانتحاريين في غزوة بدر أو غزوة أحد أو غزوة الخندق، وكانت نزاهة القتال المحرك في تحديد استراتيجيات المعارك، ولو كُتب لمسلم أن يموت في المعركة، فكان سيلتحق بالشهداء، إنما المسلمون في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن هدفهم الموت لتحقيق الشهادة فقط مثلما هو الحال مع مقاتلي الدولة الإسلامية.

إضافة إلى ذلك، كان صلى الله عليه وسلم نبياً للرحمة والتسامح، فحتى ألدّ خصومه الذين حاربوه، مثل خالد بن الوليد الذي اعتنق الإسلام وأصبح من كبار قادة المسلمين، قد عفا عنهم صلى الله عليه وسلم، وتجاوز عن إساءتهم له.

ومع تلك الرحمة، كان -صلى الله عليه وسلم- ذا بأس إذا دعت الحاجة، مثل موقفه من يهود المدينة حينما نقضوا العهد وغدروا به وبالمسلمين، إلا أنه ما كان عنده قائمة من الأعداء الذين لا يستحقون إلا الموت مثلما تفعل الدولة الإسلامية.

يا معشر مقاتلي الدولة الإسلامية.. قد فشلتم، فشلتم على كافة الجبهات، فشلتم في المضي "في سبيل الله" و"على المنهج النبوي". وكان الإرهاب أولى عندكم، بدلاً من المغفرة والرحمة والفطنة، وها قد صدق فيكم قول النبي صلى الله عليه وسلم:
‏ "مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى‏".‏‏

لطالما أكد لي أصدقائي المسلمون مراراً وتكراراً أن الإسلام هو الدين الأقرب لفطرة الإنسان؛ لذلك يسهل تبيّن الخير من الشر. وبالنظر إلى "ملف" أو "سيرة حياة" الدولة الإسلامية، يسهل على أي مسلم، بل وعلى أي إنسان، أن يتبين أن الدولة الإسلامية قد أصغت إلى "بِطَانَة تَأْمُرُهُا بِالشَّرِّ وَتَحُضُّها عَلَيْهِ"، وما البغدادي إلا خليفة الشر، ومقاتلوه مسلمون ما أرادهم النبي أبداً، فالبغدادي ومقاتلوه لمن الخاسرين، ولم يخسروا أنفسهم فقط، بل تسببوا في إلقاء اللوم والحرج على الدين الإسلامي، فبات على المسلمين أن يتحملوا وطأة هذا اللوم راغبين أو مرغمين.

وأملي أن يأتي مسلمون في مستقبل ما يبنون إسلاماً مثلما أراده النبي الكريم، دين رحمة ومغفرة بحق، ولا أكاد أتحمل الانتظار لرؤية هذا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد