دبلوماسية المغرب الإفريقية.. “السياسة والاقتصاد من الوصل إلى الفصل”

لذلك فليس من الصعب فهم خلفيات التسابق الدولي على إفريقيا، إن لم يكن لضمان موضع قدم بنقاط تمركز هذه الثروات، فعلى الأقل لفتح الطريق أمام الشركات التجارية الكبرى لتحصيل حصص معتبرة بسوق داخلية تتزايد بوتيرة متسارعة، نتيجة التمدن الكثيف الذي تعرفه القارة، وانبعاث طبقات متوسطة متماهية قلباً وقالباً مع نموذج الاستهلاك الغربي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/07 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/07 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش

إفريقيا قارة ضخمة بكل المقاييس، بجغرافيتها المترامية الأطراف، بساكنتها المتنوعة الأعراق واللغات والديانات والثقافات، بمناجمها ومعادنها وثرواتها الطبيعية الهائلة، بموقعها الجيو/استراتيجي الذي يجعل منها معبراً لتيارات السلع ورؤوس الأموال، وبسوقها الداخلية التي تقدرها المعطيات الإحصائية بأكثر من مليارَي نسمة في أفق عام 2050.

لذلك فليس من الصعب فهم خلفيات التسابق الدولي على إفريقيا، إن لم يكن لضمان موضع قدم بنقاط تمركز هذه الثروات، فعلى الأقل لفتح الطريق أمام الشركات التجارية الكبرى لتحصيل حصص معتبرة بسوق داخلية تتزايد بوتيرة متسارعة، نتيجة التمدن الكثيف الذي تعرفه القارة، وانبعاث طبقات متوسطة متماهية قلباً وقالباً مع نموذج الاستهلاك الغربي.

والمغرب بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي وباعتبار علاقاته التاريخية ذات الأبعاد المتنوعة مع دول القارة من جهة، ونظراً لما يتيحه الفضاء الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والبشري الواسع والواعد لإفريقيا من جهة أخرى، فمن البديهي أن ينخرط المغرب في هذا المناخ الإفريقي بمختلف مؤهلاته الفريدة، قصد الاستفادة من الفرص والإمكانات التي تتيحها هذه القارة ومدى قدرتها على الرفع بقاطرة التنمية والاقتصاد الوطنيين.

ويأتي هذا الانخراط في سياق دولي يتسم بتداخل الفاعلين فيه وتراجع أهمية المعطى السياسي لصالح المعطى الاقتصادي والاستغناء عن مبدأ "الصداقة الدولية" مقابل مبدأ "المصلحة الدولية"، الأمر الذي انعكس على المفهوم التقليدي لإدارة العلاقات الدولية والدبلوماسية، إذ لم يعد يتحكم في تفاعلاتها المعطيات السياسية فقط، بل أصبح جلياً في أجندة السياسة الخارجية للدول حضور المصلحة الاقتصادية بأهمية لا تقل عن المصالح السياسية وذلك كنتيجة حتمية لمفرزات العولمة المتجلية أساساً في ضرورة التوفر على اقتصادات وطنية قوية قادرة على المنافسة داخل الأسواق الدولية الحرة، فالدول لا تحيا بالسياسة فقط، وإنما بالاقتصاد أيضاً.

كل هذه العوامل وغيرها ساهمت في خلق آلية خاصة قادرة على تصريف "المصالح الاقتصادية" وتحقيقها اصطلح عليها بـ"الدبلوماسية الاقتصادية".

ولا بد أن نقر بصعوبة صياغة تعريف محدد لهذا المفهوم؛ إذ تختلف تعريفاته حسب الخلفية المفاهيمية للباحثين والمهتمين بهذا المجال، وذلك راجع في الأساس إلى تداخل مجالين تحكمهما علاقة جدلية أثارت عدة إشكالات في مجال السياسة والاقتصاد والتأثير المتبادل بينهما، إلا أن ذلك لا يمنع من محاولة إعطاء تعريف عام لمفهوم الدبلوماسية الاقتصادية انطلاقاً من نتائجها ومخرجاتها؛ إذ يمكن القول بأنها تعني اختصاراً ربط علاقات دبلوماسية بين الدول فيما بينها أو بينها وبين منظمات دولية قصد تحقيق مصالح اقتصادية محضة، سواء كانت عبر الأجهزة الرسمية للدول أو مؤسسات مختصة.

تأسيساً على ما سبق يمكن القول: إن نظرة بسيطة على دبلوماسية المغرب وسياسته الخارجية تجاه دول ومنظمات القارة الإفريقية منذ ثمانينات القرن الماضي إلى حدود العقد الأول من الألفية الثالثة كفيلة كي يُستَنتج منها تغليب المصلحة السياسية على غيرها، وهو الأمر الذي يمكن رصده من خلال مركزية قضية الصحراء المغربية والوحدة الترابية كمعيار لتحديد تحسن العلاقات من تأزّمها مع الفضاء الإفريقي عموماً، وبما أن المجال لا يتسع لذكر العديد من الأمثلة التي ترسخ فكرة أن الاختلاف حول وحدة المغرب الترابية يعني قطع العلاقات الدبلوماسية، فحسبنا أن نستعرض مثالين أساسيين:

يتعلق الأول بانسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984 كرد فعل على تمتيع البوليساريو بالعضوية الكاملة داخل هذه المنظمة.

والثاني متعلق بقطع المغرب لعلاقاته مع نيجيريا في نفس السنة بسبب اصطفاف هذه الأخيرة إلى جانب الأطروحة الانفصالية وسماحها بفتح سفارة للبوليساريو بأراضيها.

ومن ناحية أخرى، فإن إعطاء الأولوية للمصالح السياسية بدأ يتقلص تدريجياً منذ سنة 2010، مما فتح الباب أمام دبلوماسية استراتيجية المدى مبنية على الفعل لا رد الفعل، ويمكن استخلاص ذلك من العديد من المعطيات والوقائع التي شهدتها سياسة المغرب الإفريقية؛ حيث إن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي بعد 32 سنة على انسحابه من هذه الهيئة مع بقاء معظم دواعي انسحابه منها ووضعه أسس علاقات اقتصادية واعدة مع نيجيريا مع استمرارها في الاعتراف بالبوليساريو دليلان كافيان لرصد التقابل بين مرحلتين مختلفتين ليس فقط على مستوى أولويات كل مرحلة، بل حتى في بنية الفاعلين في كل مرحلة، لا سيما إذا استحضرنا معطى في غاية الأهمية وهو اقتصار المرحلة الأولى على "الملك"' كفاعل وحيد في دبلوماسية المغرب الإفريقية، بينما تعددت مسارات هذه الدبلوماسية في المرحلة الثانية لتشمل فاعلين جدداً (المستثمرين المغاربة والمؤسسات الاقتصادية الخاصة مثلاً)، وبطبيعة الحال مع الاحتفاظ بـ"الريادة الملكية".

بناءً على ما سبق نجد أن محاولة فهم هذا التقابل بين أهمية السياسي والاقتصادي في الدبلوماسية المغربية تجاه الفضاء الإفريقي والتعمق في أسبابه ومخرجاته يضعنا أمام العديد من الإشكالات المهمة، منها ما يتعلق بكون أن هذا التقابل يثير عدة أسئلة مفاهيمية يمكن تأطيرها من الناحية المعرفية والنظرية داخل حقل خاص بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، ومنها ما يتعلق برهانات المغرب على المجال الاقتصادي في دبلوماسيته الإفريقية، ومدى قدرته على استثمار مؤهلاته كعامل إيجابي في تحسين وضعيته الاقتصادية والتنموية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد