رجلُ أعمالٍ سعودي شهير طُلِب منه الرجوع إلى بلاده من الخارج لحضور اجتماع عملٍ، ثم جرى احتجازه لدى عودته. وملياردير أُمِر بتسليم نفسه وإلَّا يجري القبض عليه كمجرمٍ من العامة. ومسؤولٌ استُدعي لمناقشة هجومٍ من الواضح أنَّه لم يحدث قط.
والآن، هؤلاء الثلاثة بين أكثر من 200 شخصٍ مُحتجزين في فنادقَ فارهة بالعاصمة السعودية الرياض، بينما تحاول الحكومة السعودية الاستيلاء على مئات المليارات من الدولارات المتمثلة في أصولٍ تقول إنَّهم سرقوها بوسائلَ فاسدة، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وبعد أسبوعين من بدء تلك الحملة المزعومة على الفساد، يحاول المسؤولون السعوديون ومؤيدوهم تبرير الاحتجازات غير محدودة المدة باعتبارها جزءاً اعتيادياً من عملية المساومة على تخفيض العقوبة، الشبيهة بتِلك التي يتَّبعها المُدَّعون في الغرب مع الجرائم المالية المُرتكبة من قبل ذوي النفوذ من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين.
لكنَّ جماعات حقوق الإنسان تقول إنَّ تلك المقارنة تتجاهل فروقاً حرجة، مثل توفُّر الحماية القضائية للمُتَّهمين ووجود سلطة قضائية مستقلَّة مهمتها تقييم الادعاءات الموجَّهة إليهم. وبدلاً من ذلك، فإنَّ هذه المقارنات تبدو كما لو كانت تشير لرغبة السعودية في جمع المال كحافزٍ أساسيّ وراء الاعتقالات المُفاجئة.
ابتزاز أم مكافحة للفساد
وقال آدم كوغل الباحث بشؤون الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش والمراقب للشأن السعودي: "يبدو أنَّ هذا يحدث خارج حدود أيّ شيءٍ يشبه حتى عمليةٍ قانونية شفَّافة. إذا لم تسمح السعودية لمحتجزيها بفرصة الاستعانة بدفاعٍ قانوني، فإنَّ ما يحدث يلا يمكن اعتباره سوى عملية ابتزاز".
وفي المقابل، يصف المدافعون عن المبادرة السعودية تجنُّبها القضاء باعتباره ميزةً وليس عيباً.
إذ قال علي الشهابي المدير التنفيذي لمعهد الجزيرة العربية، وهو منظَّمة بحثية مقرَّها واشنطن ومقربة من الحكومة السعودية، إنَّه "إذا كُنتَ تواجه موقفاً تضطر فيه لاحتجاز هذا العدد من الأشخاص، وكُلُّهم أشخاصٌ بارزين كما في هذه الحالة، فإنَّ الإجراءات القانونية ستستغرق أعواماً، بافتراض أنَّ لديك السعة القضائية لذلك".
وقال الشهابي إنَّه يتوقع أن يصل معظم المحتجزين لتسويةٍ تقضي بتسليم ممتلكاتهم إلى الدولة.
وقال: "ستخضع باقي الأطراف الرافضة للتسوية للإجراءات القانونية بكُل ما تتضمنها. لأنَّه عليك أن تكون قادراً على إظهار ذلك حتى يكون باستطاعتك الوصول إلى تلك الأصول، والتي يوجد معظمها خارج البلاد".
هل تستطيع استعادة الأموال الموجودة بالخارج؟
لكن حتى من يهللون للحكومة السعودية لاتخاذها خطواتٍ للتخلُّص من وباء الفساد في البلاد يقولون إنَّ اعتمادها على إجراءاتٍ مبهمة ومُخصَّصة قد يعرقل جهودها فيما بعد لاسترداد تلك الأصول.
إذ أنَّ أية جهودٍ لاسترداد الثروات من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وسويسرا، وغيرهم من الدول الغربية حيث يمتلك السعوديون الأثرياء مُمتلكاتٍ عدة ستقتضي أن تُثبت لهم الرياض أنَّها حذت حذو المعايير الدولية لحقوق الإنسان والإجراءات القانونية. وإلَّا يُكن لدى المتهمين السعوديين حق الاستئناف في المحاكم الغربية، وهي عملية قد تُصبح طويلة ومُحرجة بالنسبة لمملكةٍ لا تُحب أن تُصبح شؤونها الخاصة علنية.
وقالت غريتا فينير المُدير العام لمعهد بازل للحوكمة وخبيرة استرداد الأصول في قضايا الفساد: "حقوق الإنسان هيَ جانبٌ حاسم للتعاون الدولي في الأمور القضائية".
وبدأت حملة الاعتقالات بشكلٍ فجائي هذا الشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حيث احتجزت الحكومة أكثر من 200 شخصٍ، من بينهم 11 أميراً ووزراء حاليين وسابقين وضبَّاطٌ بالجيش والحرس الوطني، وبعضٍ من أشهر المستثمرين ورجال الأعمال بالمملكة.
ورغم أنَّ معظم أسماء المحتجزين قد سُرِّبَت، إلَّا أنَّ الحكومة السعودية رفضت توفير أيَّة معلوماتٍ عن قضايا بعينها، مستشهدةً بقوانين الخصوصية.
يجري احتجاز عدد كبير من المقبوض عليهم في فنادقَ بالرياض، من بينها فندق ريتز-كارلتون حيثُ استُقبِلَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته للرياض العام الجاري 2017 ، وبالقرب من المكان الذي ناشد فيه وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان الآلاف من المستثمرين الدوليين ورجال الأعمال الشهر الماضي للاستثمار في المملكة.
ونظراً لندرة البيانات المُفصَّلة من جانب الحكومة السعودية عن الإجراءات المُتَّبعة، والخوف الشديد من جانب أقرباء وشركاء المُحتجزين، فإنَّ الكثير يظل غير واضحٍ بشأن هُوية المحتجزين، وظروف احتجازهم، وهدف الاحتجاز الرئيسي.
وقالت فاطمة باعشن المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن يوم الإثنين 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إنَّ تُهَم الفساد الموجهة للمحتجزين يجري التعامل معها باعتبارها "جرائم ارتكبها أشخاص من ذوي النفوذ بقطاع الأعمال والدوائر الحكومية".
وأضافت فاطمة إنَّ لجنة مكافحة الفساد والتي جرى تأسيسها بمرسومٍ ملكي تُباشِر عملها "بطريقةٍ مسؤولة وحكيمة"، وبإشرافٍ من المدعي العام "لضمان أنَّ اللجنة تلتزم بالقوانين والإجراءات ذات الصلة بالأمر".
وقالت إنَّ بعض الخاضعين للتحقيق قد رُفِعَ حظرُ السفر عنهم وأُلغِيَ تجميدُ ممتلكاتهم، بينما ما زال آخرون تحت المراجعة.
وأضافت فاطمة: "فيما يتعلَّق بحُرية الاستشارة القانونية وغيرها من الاستشارات، فإنَّ الخاضعين للتحقيق لهم الحق في السعي للاستشارة والمعونة القانونية. طلبها البعض ويُسمح للجميع بذلك. وجميع الخاضعين للتحقيق على اتصالٍ دائم بأفراد عائلاتهم".
وقال الشهابي من معهد الجزيرة العربية إنَّ الحملة سعت لمنع أعمال الفساد المستقبلية واستعادة الثروات المسروقة التي قد تُقدَّر بمئات المليارات من الدولارات إذا ما تضمَّنت الممتلكات العقارية. واعترف أنَّ قبولهم التسوية يبدو كما لو كان أمراً استبدادياً، لكنَّه قال إنَّ الإصلاحات السريعة هي ما تحتاجه المملكة الآن.
وقال الشهابي: "هل الأمر غير عادل بالنسبة للبعض؟ بالطبع، إنَّها طريقة عنيفة وغير دقيقة لفعل الأمر".
لكنَّه قال أيضاً إنَّه سيبقى للجميع ما يكفي من الثروة ليعيشوا حياةً كريمة. وقال: "الأمر ليس كما لو كانوا مُعلَّقين رأساً على عقِب، إنَّهم محتجزون في فندق الريتز-كارلتون".
ادعاءات كاذبة
ومع ذلك، فإنَّ كثيراً من جوانب تلك الإجراءات قد تثير مشاكل عدة في الغرب.
إذ قال شركاء ثلاثةٍ من المحتجزين إنَّه قد جرى استدعاؤهم على خلفية ادعاءاتٍ كاذبة ثم أُلقِيَ القبضُ عليهم. وقال الشركاء إنَّ زملاءهم لم يتواصلوا قط مع محامييهم، وأنَّهم أجروا مكالماتٍ وجيزة اتصلوا فيها بعائلاتهم فقط، وفي تلك المكالمات لم يكن بإمكانهم تزويدهم بأية معلوماتٍ عن أماكنهم أو أوضاعهم. وتحدَّث هؤلاء الشركاء بشرط الإبقاء على هوياتهم مجهولةً حتى لا يجعل هذا الأمر أسوأ بالنسبة للمحتجزين.
وقال طبيبٌ في أقرب مستشفى من المحتجزين ومسؤولٌ أميركي مكلَّف بمراقبة الوضع إنَّ عدداً يصل إلى 17 مُحتجزاً احتاجوا الحصول على رعايةٍ طبية جرَّاء إساءة معاملتهم من قبل مُحتجِزيهم.
بينما قالت فاطمة باعشن المتحدثة باسم السفارة السعودية إنَّ أياً من السُجناء لم يتعرَّض لإساءة المعاملة. وقالت: "كإجراءٍ مُتَّبع، تتوفَّر رعاية طبية شاملة لأيِّ شخصٍ قد يحتاجها نتيجةً لكونه مصاباً بأية حالة مرضية مُسبقة أو لكِبر السن".
وحشية حبيب العادلي
وما أثار مخاوف أخرى متعلقة بحقوق الإنسان هوَ أنَّ حبيب العادلي، وزير داخلية في عهد الرئيس المعزول حسني مبارك سيئ السمعة والمعروف بوحشيته وفساده، كان مستشاراً للحكومة السعودية في هذه الحملة، وهذا وفقاً لوزير داخلية مصري أسبق وشريكٍ مُقرَّب من العادلي.
لكنَّ فاطمة باعشن أنكرت تلك التقريرات قائلةً: "لا ولم يعمل الجنرال العادلي في أيِّ منصبٍ استشاري للحكومة السعودية".
لا يختلف الكثيرون على أنَّ السعودية قد عانت من فسادٍ منتشر وممنهج لعشرات الأعوام، وأنَّ تطهير مشروعات الأعمال في المملكة سيفيد شعبها. لكنَّ مؤيدي الحملة ضد الفساد يشيرون لمدى صعوبة استرداد الحكومات للأصول المخبأة بالخارج.
تجربة الربيع العربي تثبت فشل الخطة
وقال دانكن هيمز مدير شؤون السياسة بمنظمة الشفافية الدولية بالمملكة المتحدة إنَّه ورُغم وجود أصولٍ بقيمة مليارات الجنيهات في بريطانيا، إلا أنَّ القليل جداً منها يجري مصادرته وترحيله.
وقال إنَّ انتفاضة الربيع العربي التي بدأت عام 2011 أدَّت لاسترداد بيتٍ واحدٍ فقط في بريطانيا.
كذلك قد تجد الحكومات الأجنبية التي تطلب المساعدة في سبيل استرداد الأصول أنَّ قضيتها القانونية قد لا تُعَدُ صالحة في بريطانيا.
وقال هيمز: "سنرى ما إن كانت الأدلة المُقدَّمة كافية للصمود أمام تدقيق المحاكم البريطانية".