الأمل التونسي

على النخبة اليوم أن تعي أن الأمل التونسي اليوم تجاوز مطلب الحريات؛ ليرتقي لمطلب السلم الاجتماعي وبناء دولة ديمقراطية ذات اقتصاد وطني معافى وآمن جمهوري حقيقي ونظام صحة متماسك وتعليم راقٍ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/18 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/18 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش

"ولكن في اللامبالاة فلسفة، إنها صفة من صفات الأمل"، بهذا ختم محمود درويش إحدى قصائده التي تحدَّث فيها عن اللامبالي.

ولعل هذه الصفة اليوم هي أبرز ما يمكن أن نصف به المواطن التونسي اليوم في ظل أزمة ثقة عميقة بينه وبين النخبة السياسية الموجودة.

فالقطيعة التي بدت ملامحها واضحة في المشاركة الضعيفة في انتخابات 2014، وخاصة في فئة الشباب، أصبحت اليوم بالفعل واقع انتخابات يفصلنا عنها سنتان في ظل غياب بديل واضح وجليّ للنخبة السياسية التونسية التي لا تدرك فرصة إلا وتذكرنا بعدم جديتها في التطرق لقضايا الشعب.

فأمام تدنّي كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة وانخفاض قدرة المعيشة وارتفاع الأسعار بسبب تدني قيمة الدينار، يجد المواطن التونسي اليوم الذي سبق أن قاد ثورة شعارها "شغل.. حرية.. كرامة وطنية"، أمام خيار وحيد، هو أن يقاطع السياسة وأصحابها، خيار أكَّده سبر آراء أخير منح حزب نداء تونس الحاكم ورأس قائمة الأحزاب الشعبية خمسة بالمائة فقط ومثلها لحليفه الرئيسي في الحكم -أي حركة النهضة- وهذا دليل على القطيعة.

إلا أن هذه اللامبالاة لا تعني استقالة من الشأن العام بالضرورة، بل هو تعبير عن عدم الرضا وانتظار لبديل حقيقي جديد يغيّر المشهد السياسي الحالي، خاصة أن نوايا التصويت لم تذهب لمعارضة حقيقية موجودة ولا لقوة سياسية ناشطة، وهذا قد يبدو بديهياً، خاصة أن الشارع التونسي يؤكد تشابه كل الأحزاب والتيارات رغم توزعها يميناً ويساراً ثقافياً واقتصادياً.

فالأزمة اليوم ليس لها علاقة بالتوجهات العامة ولا الخيارات الكبرى، بقدر ما لها علاقة بالإرادة السياسية التي ستطبق هذه الخيارات.

فالمشهد اليوم يمكن تقسيمه لقسمين؛ أولهما منظومة بن علي التي تقاتل للحفاظ على موقعها داخل الدولة والإدارة وتجمعها المصلحة القديمة، ونوع من الثأر للخيارات الثورية، والقسم الثاني يمثل معارضة النظام الذين أمضوا 30 سنة يطالبون بالحريات أهداهم إياها الشعب بالثورة، ثم فاجأهم بمطالب واقعية عجزوا عن تلبيتها؛ لعدم استعدادهم لها.

فكيف لكيانات تأسست بهدف خوض حرب الحريات والديمقراطية أن تتحول بسرعة إلى كيانات ترسم شعارات التشغيل والكرامة على أرض الواقع؟!

على النخبة اليوم أن تعي أن الأمل التونسي اليوم تجاوز مطلب الحريات؛ ليرتقي لمطلب السلم الاجتماعي وبناء دولة ديمقراطية ذات اقتصاد وطني معافى وآمن جمهوري حقيقي ونظام صحة متماسك وتعليم راقٍ.

ولا يمكن إرساء هذا المشروع إلا عبر رواد جيل جديد من السياسيين وعبر كيانات جديدة تضع هذا الأمل صلب مشروعها السياسي وتروّج له.

ربحت تونس معركة الحريات، واليوم هي تحتاج لمشروع جديد يحمل الأمل عبر وسائل جديدة، وتصورات قريبة من الواقع العالمي الجديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد