نيويورك تايمز: تزايد احتمال الصدام العسكري بين السعودية وإيران.. سر التفويض الذي منحه ترامب للرياض وحلفائها

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/07 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/07 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش

تهديد سعودي غير مسبوق وُجه لإيران، وُصف بأنه التصعيد الأكبر في العقود الثلاثة الأخيرة التي شهدت عداءً متزايداً بين الخصمين الإقليمين.

وقال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إن "ضلوع إيران في تزويد الميليشيات الحوثية التابعة له بالصواريخ يعد عدواناً عسكرياً ومباشراً… وقد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة"، بحسب ما نقلت "بي بي سي" عن وكالة الأنباء السعودية الرسمية.

وأضاف ولي العهد، في مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، أن مدّ إيران بالصواريخ لحلفائها من الحوثيين "يعد حرباً على المملكة".

وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلةٍ مع شبكة سي إن إن الأميركية: "لا يمكن أن تقذف إيران المدن السعودية بالصواريخ، وتتوقع منَّا عدم اتخاذ خطوات".

جاء ذلك الاتهام، الذي أنكرته إيران، بعد يومٍ من موجة اعتقالات بالمملكة، بدا أنها تهدف إلى استكمال توطيد سلطة ولي العهد محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً.

وبالنظر إلى الأمرين معاً، نجد أنَّهما يشيران إلى سياسة عدوانية جديدة من قبل الأمير داخل السعودية وخارجها، ويشير ذلك أيضاً إلى مرحلةٍ جديدة وأكثر خطورة من الحرب الباردة بين السعودية وإيران، من أجل الهيمنة على المنطقة، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

لن يتراجع

وقال جوزيف كيشيشيان، الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض والمقرب من العائلة المالكة: "مواجهة اليوم هي عنوان الصراع. فهذا الشاب، الأمير محمد بن سلمان، ليس على استعداد للتراجع أو الخضوع. ويوجه رسالة مفادها: من يتحداني سيجد مني رداً".

تزيد هذه الاتهامات خطر اندلاع صراعٍ عسكري مباشر بين القوتين الإقليميين، وذلك في الوقت الذي يتقاتلان فيه بالفعل في حروبٍ بالوكالة في اليمن وسوريا، وينخرطان في معارك على السلطة السياسية في العراق ولبنان. وبحلول نهاية أمس الإثنين، وجَّه وزيرٌ سعودي اتهاماً للبنان بإعلان الحرب ضد السعودية أيضاً.

مختطف

وحتى قبل إطلاق الصاروخ، يوم السبت الماضي، الذي اعتُرِضَ في طريقه إلى العاصمة السعودية الرياض، اتَّخذ ولي العهد خطوةً مفاجئة أخرى، تُظهِر موقف المملكة العدواني الجديد تجاه إيران ولبنان. إذ استضاف ولي العهد الزعيم اللبناني رئيس الوزراء سعد الحريري حليف المملكة، الذي فاجأ المنطقة باستقالته عبر فيديو بُثَّ من الرياض، احتجاجاً على تأثير إيران الكبير في السياسة اللبنانية.

ويتكهَّن بعض منافسي الحريري بأنَّ حلفاءه السعوديين قد ضغطوا عليه من أجل تقديم استقالته. وفي يوم السبت الماضي، قال حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، إنَّ السعوديين اختطفوا سعد الحريري. وحثَّ نصر الله الحريري على العودة إلى لبنان، للبدء بمحادثات تقاسم السلطة في حال "كان مسموحاً له بالعودة".

وفي يوم الإثنين، نشرت السعودية صورةً لاجتماع الحريري مع الملك سلمان، وهو ما نُظِرَ إليه على نطاقٍ واسع باعتباره محاولةً لإنكار نظرية أنَّ رئيس الوزراء رهينةٌ بالفعل.

ولم يمكن التحقق بصورةٍ مستقلة من صحة الادعاءات السعودية، بتوفير إيران للصاروخ الذي أُطلِقَ تجاهها، حسب نيويورك تايمز.

كيف تم تهريبه؟

وقال الجبير إنَّ الصاروخ جرى تهريبه إلى اليمن مُجزَّأً، وجُمِعَ في اليمن من قبل عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني، ثم أطلقه حزب الله من اليمن.

وقال بيانٌ صادر عن وكالة الأنباء السعودية، إنَّ "خبراء بالتكنولوجيا العسكرية" قد حدّدوا من بقايا هذا الصاروخ وصاروخ آخر كان قد أُطلِقَ، في يوليو/تموز الماضي، أنَّ كليهما قادمان من إيران "بهدف مهاجمة المملكة".

وقال ثامر السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، أمس الإثنين، إنَّ السعودية تعتبر الهجوم الصاروخى عملاً من أعمال الحرب التي شارك بها لبنان أيضاً، مشيراً إلى مزاعم دور حزب الله في إطلاق الصاروخ.

وقال السبهان لشبكة العربية السعودية: "سنعامل الحكومة اللبنانية كحكومة أعلنت الحرب علينا بسبب ميليشيات حزب الله. لقد اختطفت ميليشيات حزب الله ومن ورائها إيران الدولة اللبنانية".

ووصف قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري الاتهام بتورط إيران فى الهجوم الصاروخى، بإنَّه "لا أساس له".

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية، شبه الرسمية "تسنيم"، عن جعفري قوله إنَّ "هذه الصواريخ أنتجها اليمنيون وصناعتهم العسكرية".

وغرَّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، متهماً السعودية "بشن حروبٍ عدوانية، والإرهاب الإقليمي، وانتهاج سلوكٍ مزعزع للاستقرار وسياسات استفزازية محفوفة بالمخاطر. تدك السعودية اليمن دكاً، وقتلت آلاف الأبرياء، بما في ذلك الأطفال الرضع، وتنشر الكوليرا والمجاعة، ولكنَّها تلقي باللوم على إيران".

وكان المسؤولون الأميركيون قد اتهموا إيران في وقتٍ سابق بتسليح الحوثيين، حلفائها في اليمن. ولكن لم يتضح بعد كيف عرف الخبراء السعوديون سبب توفير إيران تلك الصواريخ، وكيف فعلت ذلك.

وأدت الاعتقالات الأخيرة إلى ترسيخ هيمنة الأمير محمد على الشؤون العسكرية والأجنبية والداخلية والاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة، وحرَّرته لمواصلة مواجهته العدوانية ضد إيران. وهذا الموقف العدواني كان سمةً مميزة لصعوده السياسي على مدى العامين ونصف الماضيين، منذ جلس والده الملك سلمان (81 عاماً) على عرش السعودية.

زاد الأمير محمد من حدة الحرب الباردة السعودية الإيرانية بشدة، إذ عزَّز من جهود السعودية لمناهضة النفوذ الإيراني في الحرب الأهلية السورية، وأغرق المملكة في صراعٍ عسكري طويل ضد القوات المتحالفة مع إيران في اليمن، وعزل قطر المجاورة لأسبابٍ مختلفة، من بينها قوة علاقتها بإيران.

تفويض ترامب للمحمدين

ويبدو أنَّ موقف بن سلمان المتشدد تجاه إيران شكَّل أساساً لعلاقةٍ وثيقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي زار الرياض هذا العام وظلَّ صامتاً بوضوح إزاء حملة الاعتقالات التي قام بها ولي العهد. وفى يوم الثلاثاء أثناء جولته إلى آسيا، أشاد ترامب بالاعتقالات قائلاً، إنَّ الملك وولي العهد "يعرفان بالضبط ما يفعلانه".

وكتب ترامب على تويتر أيضاً: "بعض هؤلاء الذين يعاملونهم بقسوة كانوا "يحلبون" دولتهم لسنوات".

وكان جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره، قد غادر الرياض مؤخراً بعد زيارته الثالثة لها هذا العام. ووفقاً لمسؤولٍ أميركي مُطلِّع على تفاصيل الزيارة، ظلَّ الأمير محمد بن سلمان وكوشنر يتحدثان معاً حتى الساعات الأولى من الصباح في مزرعةٍ في الصحراء.

وقال كيشيشان إنَّ الاعتقالات والمواجهة مع إيران مثَّلت تقارباً لجدولي أعمال طويلي المدى، يسعى لتنفيذهما الأمير محمد.

وأضاف: "في الداخل استطاع بن سلمان وضع رجاله في مراكز النفوذ والسلطة، ونحَّى معارضيه. ومنذ زيارة ترامب للرياض كانت هناك سياسة متَّسقة مع التنسيق الجوهري والأساسي للولايات المتحدة، وكانت إيران هي الهدف".

وقال روبرت جوردان السفير الأميركي السابق لدى المملكة العربية السعودية، والذي يمتهن القانون الآن في المنطقة، إنَّ عدوانية الأمير محمد "زادت بعض الشيء بما قد يُسميه الناس ضوءاً أخضر من ترامب".

وأوضح جوردان: "شجَّع ترامب السعودية وحلفاءها ليكونوا أكثر عدوانية تجاه إيران، وأن يتحملوا مسؤولية المنطقة، واتخذوا تشجيعه بجدية. فهم على علمٍ بأنَّ أميركا تدعمهم".

لجوء السعوديين لليمن

وأرفقت السعودية اتهاماتها الموجهة ضد إيرانِ، بإعلانٍ مفاده أنَّها ستقدم مكافآتٍ تصل إلى 30 مليون دولار للحصول على معلوماتٍ تؤدي إلى القبض على 40 شخصاً من القادة الحوثيين في اليمن.

من جانبه، صرَّح محمد علي الحوثي، أحد القادة المذكورين على القائمة، في خطابٍ مُتحدٍّ يوم أمس الإثنين في العاصمة اليمينة صنعاء: "نحن لا نخشى شيئاً".

ووصف الحوثي الاعتقالات التي أمر بها الأمير محمد بن سلمان بأنَّها "انقلابٌ من أجل العرش"، ودعا السعوديين المُنشقِّين إلى اللجوء إلى اليمن، قائلاً: "نقول للمواطنين والأمراء في السعودية، إنَّ الشعب اليمني يفتح ذراعيه لكم. لن يحتمل أحد الظلم".

وصرَّحت وزارة الدفاع اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون في عطلة الأسبوع الماضي، بأنَّ قواتها استهدفت مطار الرياض بإطلاق صاروخ طويل المدى. وعقب إطلاق الصاروخ فوراً، شنَّ التحالف الذي تقوده السعودية وابلاً من الغارات الجوية على صنعاء، هو الأكبر منذ أكثر من عام.

كوريا الشمالية

ومن المعروف أن الحوثيين أسقطوا بدعم من إيران حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المُعترف بها دولياً، في مطلع عام 2015، وسيطروا على الجزء الأكبر من البلاد منذ ذلك الحين.

ويرى المحللون أنَّه بينما ظلَّ الحوثيون لفترةٍ طويلة يحظون بعلاقاتٍ ضعيفة مع إيران، ويحصلون على بعض الدعم، لم يكن هناك أي دليلٍ على أنَّهم وكلاء لطهران يخضعون لقيادتها المباشرة، كما يؤكد السعوديون.

وأشار السفير السابق جوردان إلى أنَّه على ما يبدو أنَّ التدخل السعودي أدَّى إلى تقريب الحوثيين والإيرانيين إلى بعضهم البعض بدون قصد.

وكان من الصعب تقدير مزاعم السعودية بشأن مسؤولية إيران عن الهجوم الصاروخي، جزئياً، بسبب التاريخ الطويل والمُعقد من شحنات الأسلحة المحظورة التي تصل إلى اليمن.

إذ حصلت القوات اليمنية الجنوبية على صواريخ سوفيتية في أثناء حربها الأهلية مع ما كان يُسمى اليمن الشمالي، قبل انتهائها في عام 1994، والحكومة الوطنية اليمنية التي حكمت البلاد بعدها، التي تقع مؤسساتها الآن تحت سيطرة الحوثيين، كما ذكر أنها منذ عام 2002 اشترت شحنةً من صواريخ سكود من كوريا الشمالية.

وتشير برقيات وزارة الخارجية الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس، إلى أنَّ اليمن استمر في شراء الصواريخ الكورية الشمالية حتى عام 2009. ولكن التحالف بين الحوثيين وإيران يجعل احتمالية توفير طهران لتلك الصواريخ، أو شرائها نيابةً عن الحوثيين من المستحيلات، حتى لو كانت قد صُنِعَت في كوريا الشمالية.

ويقول محللون من شركة "آي إتش إس جاين"، المتخصصة في الاستشارات الاستخباراتية والعسكرية، إنَّه من الصعب على إيران إرسال صواريخ كاملة إلى اليمن، ولكن من الممكن أن يكون اليمن قد حصل على تلك الصواريخ من كوريا الشمالية قبل بدء الصراع الحالي.

وكانت الرياض قد تعرَّضت لهجومٍ مرتين بالصواريخ من اليمن، في فبراير/شباط، ومارس/آذار الماضيين. واستُهدفت كذلك المنطقة الحدودية السعودية مراتٍ عدة، بما فيها القواعد العسكرية في منطقة جازان الجنوبية.

تحميل المزيد