سِرّ من أسرارِ الثورة السّورية!

اجتمعت مع صحفيين أميركيين في مكانٍ على مسافة 200 متر أو أقل عن الأراضي السورية في بلدة (الريحانية التركية) قال لي أحدهم: "لماذا القوّات الحكومية تحاربكم؟" سؤال لم يعجبني؛ لأنني تعوّدت على مصطلح نظام الأسد خلال سنتين، ولم أسمع مصطلح "القوات الحكومية" إلا من تلفزيونات بشار الأسد الرّسمية!

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/01 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/01 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

بينما كنتُ أُصوّرُ مُتعة الشباب السوريين الذين يتدرّبون على طريقة خياطة جراح مصابين ضمن دورة تدريبية تمريضية قرب الحدود التركية – السورية؛ لتؤهلهم للعمل في مناطق القصف والخطر في سوريا!

قاطعني أحد الحضور ممتعضاً: "هل تعلم أن الطبيبَ المُدرّب (أوروبي الجنسية) جاء ليستلم قطع آثار سورية من مجموعة مهرّبين، لكنّه ما كان ليستطيع الوصول إلى هذه المنطقة إلّا حتى تذرّع بإقامة دورة تمريضية تعاطفاً مع الشعب السوري".

حينها أصابتني حالة من الدهشة شبيهة بتلك الحالات التي نشاهدها في الدراما؛ حيث إنني شردتُ طويلاً! أُفكّرُ وأُحللُ كل كلمة سمعتها، كنت بحاجة لدقائق حتى استوعبت تماماً ما هُمِس في أذني!

يقولُ ذاك القائل: إن هذا الطبيب الأوروبي الذي يقف أمامي يزورُ الحدود التركية – السورية بعد تنسيقٍ مع منظمات سورية "مسكينة" تُصدق تعاطف الطبيب معهم في تطوّعه لتدريب مجموعة شبّان على العمل الطبّي!

تُصدّقُ المنظمة أيضاً أن هذا الطبيب قطعَ مسافات طويلة من ألمانيا أو فرنسا أو حتى أميركا، من أجل أن يتطوع حُبّاً وعطفاً على الشعب السوري، وليعبّر عن رفضهِ لآلة القمع العسكرية التي لا زال ينفذّها بشار الأسد ضد السوريين.

خفايا كثيرة خُدعَ بها السوريون ممن تعاطفوا معهم، فالقصة باختصار أن مجموعة لصوص مهرّبين في الداخل السوري يسرقون الآثار الأصلية من أماكن مختلفة مثل المتاحف، ويقومون بالتواصل مع تجار في أوروبا مقابل مبالغ مالية ضخمة يحصلون عليها في حال باعوا القطع المسروقة، بعدها يقوم أولئك التجّار (بالتنسيق مع منظمات إنسانية سورية بريئة لا تعلم النوايا الخبيثة) بإرسال طبيب من أصدقائهم إلى الحدود التركية ليُقيم دورة طبيّة، أو صحفي ليقيم دورة إعلاميّة! وبالطبع سيكون المهرّبون في انتظارهِ هُناك!

وأثناء إقامة الدورة الإعلامية أو الطبيّة، يجري اللقاء بين المُهرب والمشتري وتتم الصفقة خلال ساعات، ويكون الظاهر أن هذا الأوروبي صاحب صحوة وضمير حي، قطع مسافات طويلة ليقابل مجموعة شبّان أراد تعليمهم تمريضٌ أو إعلام، في الحقيقة أكتب هذا وعقلي مُصاب بجنونِ هذا الواقع السيئ.

فكم من دورة إعلامية وطبية جرت على الحدود السورية – التركية وكُنّا نَشيد برعاتها وبالقائمين عليها، لكننا في الحقيقة كُنّا نُسرَق ونؤمن السكن والرعاية للسارق دون علمنا أنّه سارق!

أنا شابٌ سوري (24عاماً) انتفضتُ مع الثوار قبل 6 سنوات في عمر (18عاماً) ضد نظام بشار الأسد، وأصبحتُ في ذاك الوقت من أكثر الإعلاميين المعروفين في تغطية الثورة السورية، سافرتُ إلى السعودية أيضاً وقابلت عشرات رجال الأعمال من المتعاطفين مع ثورتنا، أحدهم كان أوروبيّاً يعمل مع شركاء سعوديين له، كان شبه دبلوماسي (حوالي 50 عاماً) أو مقرّباً من السفارة الألمانية في الرّياض عام 2012، قال لي حينها: "هل أنت مقتنع أن أميركا وأوروبا ستتخلّى عن بشار الأسد حتى لو دمّر سوريا؟"، كنت حينها في هيجان الثورة وفي قمّة الإيمان أن القدر لا بد أن يستجيب لمطالب الشعوب، قلتُ له: "نعم أثق أن المجتمع الدولي سيُحاكم بشار الأسد كونه مجرم حرب"، كنت متحمّساً لهذه اللحظة فعلاً.. ضحك الرّجل، وقال: "أتمنى ذلك".

أتذكّر الآن تعابير وجهه كيف كان واثقاً بأن العالم سيتخاذل معنا، حينها لم أُجِد فهم كلامه ولا تعابير وجهه، كنت أظنّه يكذب ويحاول إحباط معنوياتي، لكنّني اكتشفت أنه صادق فيما قال.

بعد السعودية وفي عام 2013 غادرت مدينة جدّة إلى إسطنبول، ومنها إلى الحدود التركية، كان ينتظر لقائي هناك الكثير من الأصدقاء والصحفيين من صحف غربية وأميركية.

كنت متحمساً لكوني وسيلة موثوقة لنقل أخبار سوريا للشعوب حول العالم، وكنت بريئاً فعلاً ولم يخطر لي خاطر عن خباثة الصحفيين غير العرب.

اجتمعت مع صحفيين أميركيين في مكانٍ على مسافة 200 متر أو أقل عن الأراضي السورية في بلدة (الريحانية التركية) قال لي أحدهم: "لماذا القوّات الحكومية تحاربكم؟" سؤال لم يعجبني؛ لأنني تعوّدت على مصطلح نظام الأسد خلال سنتين، ولم أسمع مصطلح "القوات الحكومية" إلا من تلفزيونات بشار الأسد الرّسمية!

قلتُ: "عليكم أن تسألوا القوات الحكومية لماذا تحاربنا؟ ولماذا تقتلنا؟ ولماذا تذبح أطفالنا؟"، قال أحدهم: لكن الحكومة السورية تملك أدلة كافية على انتهاكات المعارضين، وأنتم لا تملكون أدلّة عن انتهاكات الحكومة!

السؤال أثار غضبي، قلت: كل هذه الفيديوهات والصور والمجازر والنداءات غير كافية لكم؟ غادرتهم وأنا أتنفس بصعوبة ممن سمعته، لكنني اكتشفت أنني أخطأت وكان عليَّ إكمال المقابلة حتى أوصل كامل وجهة نظرنا.

باختصار.. أنا الآن وفي عام 2017 غير مقتنع بتضامن الحكومات ولا معظم الشعوب معنا، والكل يطبّق مقولة: "اللهم نفسي"، ونحن كسوريين ما علينا إلا تطبيق مقولة: "لا ينزع الشوك من جسدك إلا ظفرك"، وشعاري دائماً أن للحقيقة بقية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد