الجواز الفلسطيني للسوريين

أحد الأصدقاء السوريين الذين لجأوا إلى قطاع غزة المحاصر عام 2012 متسللاً عبر أحد الأنفاق مع مصر، أرسل إليّ صورة لجواز سفره الفلسطيني المُوَقَّع من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس! وفي سياق متصل، كان محمود عباس قد صَرَّحَ لوسائل الإعلام الفلسطينية المحلية، في بداية شهر أبريل/نيسان، بأنه أعطى توجيهاته بتقديم معونات مادية للنازحين السوريين

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/21 الساعة 04:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/21 الساعة 04:49 بتوقيت غرينتش

مَنْ يقرأ عنوان هذه المقالة قد يظن أنه إسقاط على واقع تشرُّد السوريين، وتَعَامُل دول العالم معهم على غرار تعاملها مع الحالة الفلسطينية القائمة على سياسة التفريغ الديموغرافي، مع اختلاف الفاعل أو المجرم الذي شَرَّدَهم. أصبح لدينا، في الواقع، الكثير من الإسقاطات التي تشير إلى تشابه القضيتين، ولكن العنوان هنا يعبر عن محتواه حرفياً.

أحد الأصدقاء السوريين الذين لجأوا إلى قطاع غزة المحاصر عام 2012 متسللاً عبر أحد الأنفاق مع مصر، أرسل إليّ صورة لجواز سفره الفلسطيني المُوَقَّع من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس! وفي سياق متصل، كان محمود عباس قد صَرَّحَ لوسائل الإعلام الفلسطينية المحلية، في بداية شهر أبريل/نيسان، بأنه أعطى توجيهاته بتقديم معونات مادية للنازحين السوريين، إضافة إلى منحهم جوازات سفر السُّلْطة؛ وذلك بغية تحسين أوضاعهم المعيشية السيئة في غزة، البلد المحاصر الذي مزقته الحروب المتتالية.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في قطاع غزة (عدا الفلسطينيين السوريين بالطبع) 8 عائلات، و4 أفراد، أغلبهم وصلوا للأراضي الفلسطينية عن طريق الأنفاق الخطرة، بعد أن أصبح معبر رفح لا يُفتح أمام العابرين إلا نادراً.

الأمر الطبيعي، والمتوقع، هو أن يعيش هؤلاء اللاجئون حياة صعبة؛ لأن غزة ليست مهيأة أساساً لاستقبال لاجئين؛ بل إن الكثير من الغزيين يحلمون بالخروج من بلدهم باتجاه حياة أفضل وفرص عمل جديدة، وكثيرون من شباب غزة ذهبوا إلى تركيا إما للعمل وإما للدراسة، مستفيدين من التسهيلات التي تقدمها الحكومة التركية لهم، وآخرون ينتظرون بشائر فتح بوابات معبر رفح ليخرجوا إلى الحرية.

صديقي الحاصل على جواز السلطة الفلسطيني هو ابن الساحل السوري، ويعرف جيداً أن صفحات جوازه الجديد تحمل مأساة شعب كامل توالَتْ عليه أنواع الاحتلال المتعددة وكافأته إسرائيل في نهاية المطاف بأن جعلته بين نازح ولاجئ أو مسجون في بقعة لا تتعدى مساحتها 300 كيلومتر مربع في أرضه.

لقد نجح الصهاينة في تفريغ فلسطين ديموغرافياً ووزعوا أهلها في دول الجوار والمهاجَر، فكانت سوريا إحدى الدول التي لجأوا إليها، وطمح العديد من أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئ إلى أن يحملوا جواز السفر السوري، ولكن هذا الطموح لم يتحقق؛ بسبب الذريعة التي قدمها النظام السوري القائلة بأن تجنيس الفلسطينيين يُنسيهم قضيتهم ويحرمهم من حق العودة، ولم يتخيل أشد المتشائمين بالوضع في سوريا أن يأتي يوم ويطلب السوريون جواز السفر من السلطة الفلسطينية، أو أن يصبحوا لاجئين في غزة!

شاب سوري آخر تواصلتُ معه يقيم هناك في قطاع غزة، افتتح الكلام عند سؤاله عن أوضاعهم بأن السوريين يحبون الحياة، ولكن للأسف الحياة لا تحبهم، وتابع أن العائلات السورية المقيمة هناك ما زالت بانتظار تطبيق قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الذي صدر بتاريخ الرابع من أبريل/نيسان 2016 ويحمل رقم (109717) والذي ينص على توفير فرص عمل ثابتة ودائمة وسكن ملائم وتأمين صحي ومساعدات اجتماعية للاجئين السوريين، وكذلك أبدى تخوفه من التأخر في تنفيذ القرار وعدم وجود آليات واضحة لتنفيذه من قِبل الوزارات المختصة.

وبالفعل، لقد حالت الانقسامات الداخلية الفلسطينية والمناكفات السياسية بين الأطراف دون تطبيق هذا القرار رغم مرور أكثر من سنة على صدوره.

كالمستجير من الرمضاء بالنار، وكمن يهرب من تحت الدلف إلى تحت المزراب، هذا هو حال اللاجئين السوريين في غزة، فقد تركوا أرضهم مرغَمين، ورحلوا، وارتحلوا باحثين لهم ولأولادهم عن قبس من ضوء، فقادهم
قدرهم إلى أرض جديدة يأكلها الحصار، وتبتلعها الخلافات، للأسف.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد