خرافة اضطهاد الأقليات في العالم الإسلامي

فالمسلمون أنفسهم كانوا مضطهدين من قِبل قريش، فحوربت زعامات قريش الفاسدة، وبعد النصر كانت المفاجأة، فقالها رسول الله: اذهبوا فأنتم الطلقاء. هذا كان دستور الدولة المحمدية، أنتم أحرار لتختاروا أي معتقد تريدونه، لم يقُم بمذابح جماعية، ولا تهجير ملايين البشر من ديارهم، ولم يضع سيفاً على رقابهم ليؤمنوا بالإسلام.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/06 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/06 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

مع بداية الألفية الثالثة للميلاد، شهد العالم الإسلامي ظهوراً لافتاً للنظر لعديد من الأحزاب والتيارات المنادية برفع الظلم عن الأقليات الدينية والعرقية، ووصل الأمر ببعضها للمناداة بالاستقلال لتكوين دويلات جديدة حصرية لهذه الأقليات، لعل أبرزها هو الاستفتاء الأخير في شمال العراق؛ حيث ينادي الأكراد لتكوين وطن قومي لهم ليتحرروا من ظلم العرب!

ولكن اللافت للنظر أيضاً أن العرب أنفسهم وقبل مائة سنة مع بدايات القرن العشرين كانوا هم أنفسهم من ينادون برفع الاضطهاد الواقع عليهم من قِبَل الخلافة العثمانية أو بالأحرى حكم حزب الاتحاد والترقي التركي.

ومن اللافت للنظر أيضاً ذلك الدعم الغربي -المادي والمعنوي- لقضية "العرب" وقتها، وتشجيعهم لهم على الاستقلال والانفصال عن الخلافة العثمانية، بل ووعودهم لهم بأنه بعد الثورة والانتصار على العثمانيين، ستكون خلافة المسلمين لهم بطبيعة الحال.

وتم حصر كلمة عثماني وقرنها فقط بالأتراك، مع أن كلمة عثماني لم تكن تعود إلا على النظام الحاكم، وليس على الشعوب.

دعمت بريطانيا الشريف الحسين في الحجاز كرمز إسلامي، وقامت الثورة على الخلافة العثمانية بحجة تحرير العرب من ظلم الأتراك، وإعادة الخلافة الإسلامية لهم.

فخرجت القوات العثمانية من جزيرة العرب لتحل مكانها القوات البريطانية والفرنسية، وتم احتلال الأراضي التابعة للخلافة سابقاً. ففرضت قوانين المحتل الغربي، وتم قمع كل من نادى بالحرية والاستقلال، ممن كان يدعمك بالأمس لنيلهما!

وتبين للعرب أنهم قد خُدعوا، ولكن هيهات! فلقد أُكلت يوم أكل الثور الأبيض. ولم يكتفِ المحتل الغربي بإزالة الخلافة الإسلامية والسيطرة على أراضيها، بل قسم بلاد الشام والرافدين والجزيرة ومصر والمغرب إلى دويلات ومناطق نفوذ، على مبدأ: فرِّق تسُد، وليحصل كل طرف غربي على حصته من الكعكة. وتم ترسيخ مفهوم الوطنية القومية العرقية؛ ليحل مكان مبادئ العيش المشترك تحت ظل الخلافة السابقة، ومن هنا بدأت المشكلة.

فكل بقعة في الأرض فيها خليط من جميع الأعراق والثقافات، فكيف نصنع وطناً قومياً لعِرق أو مجموعة قبائل ونستثني الآخر؟ بل المشكلة الأعمق تكمن بادعاء أن هنالك مجموعة من ملايين البشر في مكان ما تنتمي لعِرق واحد نقي!
أين؟

مع التبادل التجاري والثقافي، والهجرات نتيجة الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية، الناس على هذا الكوكب في اختلاط دائم، حتى إنني لا أجد معنى في قول عربي، فارسي، أو حتى أوروبي.

بماذا أعرف نفسي؟ أعربي أنا؟
ربما بكوني أتحدث العربية، لكنني أيضاً أتحدث الإنكليزية واليابانية.
ربما أنا مشرقي، وُلدت في بلاد الشام، قد أكون تأثرت بثقافتها إذاً! لكنني أمضيت جل شبابي خارج بلاد الشام من أقصى المشرق إلى قلب أوروبا.

ربما أعود فأنظر إلى أجدادي لأرى من أنا!
فجداي من طرف أبي أحدهما "عربي" والآخر "تركي"، ومن طرف أمي أحدهما "عربي" والآخر "إفريقي أمازيغي"، هذا جيل واحد قد مضى! دعك ممن سبقهم، فمن أنا إذاً؟
أنا إنسان.. ووطني هو الأرض.
عربي، أمازيغي، فارسي، كردي، هندي، ياباني، أوروبي.. ولكن هل لأي من هذه التصنيفات معنى عرقي حقاً؟ أراها في زماننا هذا أسماء لمواقع جغرافية فقط، ولا تعبر عن الشعوب.

ففي ظل هذه العولمة والانفتاح والثورة التكنولوجية ذابت الثقافات الفردية، وها هي الآن تشكل ثقافة عالمية واحدة تقريباً. فأنا أتابع نفس المسلسلات التلفزيونية التي يتابعها الناس في أوروبا وأميركا وحتى اليابان، نلبس نفس اللباس، نأكل نفس الطعام، نستمع لذات الموسيقى.

انصهار هذه الثقافات وتلاقحها قد بدأ فعلاً وبشكل ناجح في ظل الخلافة الإسلامية من قبل، ولهذا يتوهم البعض حدوث ظلم وتهميش لأقليات معينة.

لكن الإسلام انتشر بالسيف! قد يصيح أحدهم معلقاً.
تلك أيضاً حقيقة وخرافة معاً!
كيف؟
الإسلام كان سيفاً على أنظمة الحكم القمعية المستبدة، ولم يكن سيفاً على الشعوب أبداً. فالحرب كانت تقوم على تلك الأنظمة التي تضطهد الناس وتمنعهم من حرية اختيار المعتقد، وتمنع الأقليات الدينية والعرقية من العيش بسلام على الأرض.

فالمسلمون أنفسهم كانوا مضطهدين من قِبل قريش، فحوربت زعامات قريش الفاسدة، وبعد النصر كانت المفاجأة، فقالها رسول الله: اذهبوا فأنتم الطلقاء. هذا كان دستور الدولة المحمدية، أنتم أحرار لتختاروا أي معتقد تريدونه، لم يقُم بمذابح جماعية، ولا تهجير ملايين البشر من ديارهم، ولم يضع سيفاً على رقابهم ليؤمنوا بالإسلام.

وعندما رفض إمبراطورا فارس والروم السماح للناس باعتناق الإسلام، وإقامة شعائر الله بدون مضايقات تحت حكمهما، أعلنت الحرب، لرفع الظلم، بمنع حرية المعتقد. وانطلقت الجيوش المحمدية لتحارب الجيوش الإمبراطورية، وكانت وصايا الرسول واضحة: لا تغدروا ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجراً، ولا تهدموا بناءً.

كانت حرباً لإزالة النظام المستبد فقط، ليس حرباً على البشر، بل لأجل البشر، لإعادة الحرية لهم، ليختاروا ما شاءوا من معتقد.

لم يهدم الفاتحون الجدد الكنائس ولا قتلوا المسالمين العزل ولا اغتصبوا النساء، ولا استباحوا الحرمات.

وأكبر دليل على هذا ومع مرور ألف وخمسمائة سنة في ظل دول إسلامية عظمى، كانت قادرة على فعل ما تريد من دون محاسبة، ما زلنا نجد المسيحيين واليهود والمجوس وحتى عبدة الشيطان في أراضي الخلافة، ففي كل يوم يقترن صوت الأذان بصوت أجراس الكنائس.

وكذلك لم تكن هذه الأراضي حكراً على العرب، بل الإسلام ذاته ليس حكراً على العرب، فالعصر الذهبي لليهود كان في الأندلس، بل إنهم كانوا جزءاً من الجيوش الإسلامية، فكان موسى بن نصير "العربي" وطارق بن زياد "البربري" وخولة "اليهودي" في صف واحد. وكان صلاح الدين "الكردي" سلطاناً، وكذلك قطز وبيبرس "القوقازيان"، وعثمان "التركي".

الإسلام عالمي منذ انطلاقه، فما كان من ثقافات الشعوب الأخرى غير المسلمة وغير العربية، أصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوية الحضارية الإسلامية.

لم يمنع الترك والفرس ولا أهل القوقاز ولا أهل المغرب من أزيائهم ولغاتهم، بل امتزجت كلها وأثر بعضها ببعض، فلا تكاد تخلو العربية من كلمات فارسية وأخرى أمازيغية وتركية، وكذلك تلك اللغات أخذت من العربية.

والأهم من هذا أن النظرة كانت دائماً على قدر المساواة لكل سكان الأراضي الخاضعة لحكم الخلافة.

فتزوج العربي بالفارسية، والمصري بالمغربية، والتركي بالهندية، وهذا بذاك وذاك بهذا، فذابت الأعراق في بعضها، ولم يعد لتلك المصطلحات معنى إلا في البعد الجغرافي فقط.

وها نحن هنا نتيجة هذا التلاقح والانصهار في بوتقة الخلافة الإسلامية سابقاً، وفي بوتقة العولمة والتكنولوجيا حالياً، نحن في مرحلة "ما بعد العرق" (Meta-race) فأنا أنتمي لكل ما سبق.
أنا عربي وإفريقي، أمازيغي وآسيوي، فارسي وهندي، أنا المشرق والمغرب، أنا الشمال والجنوب.
لقد عدنا بشراً.. بشراً فقط.

فكم يحزنني ما أرى من إخوتي في المسيرة الحضارية للبشرية، من نكوص لقومية وعرقية مقيتة،
تريد أن تستقل؟ أن تنفصل عني وأنا أنت، وأنت أنا!
إنما هي ذات الخدعة التي وقعنا بها قبل مئة عام.

فبدل أن ننسلخ من بعضنا ونحن واحد، فلننسخ من حياتنا ذلك النظام السياسي الفاسد الذي أفلس على المستوى الفكري، فعاد منادياً بعرقية منقرضة، يريد أن يفرق بيننا ليسود؛ ليمنعنا من العودة للساحة العالمية على مستوى القيادة، وليسرق ما تبقى من مواردنا.
لنتّحد معاً في وجه الظلم الحقيقي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد