ليس غريباً أن يكون العام 1928 الذي وُلد فيه محمد مهدي عاكف هو ذات العام الذي شهد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها حسن البنا رحمه الله، ذلك أن الفتى عاكف وما إن بلغ سن الثانية عشرة من عمره حتى التحق بالجماعة، والتزم منهجها، وتربى على يد المؤسس حتى اغتياله -رحمه الله- في العام 1949، ودُفن في غياب إخوانه ومحبيه وأنصاره، وبحضور والده فقط وبعض نساء العائلة، تماماً كما جرى مع عاكف -رحمه الله- بالأمس حين دُفن ليلاً بحضور زوجته وأولاده فقط وجمع غفير من قوات الأمن على خوف من فرعون وملئه من أن تكون جنازة عاكف مبعثاً للثورة من جديد، واجتماع الفرقاء بعد التمزّق.
كان مهدي عاكف أحد الشباب الذين تلقوا التعليم الجامعي في المعهد العالي للتربية الرياضية في وقت زهد فيه الطلبة في هذا النوع من العلوم، ومالوا للتخصصّات العلمية والإنسانية، الأمر الذي أهَّله لقيادة معسكرات الشباب وتوجيههم لصناعة البدن أسوة بصناعة العقل، ذلك أنه قد أشرف على تنظيم العديد من المخيمات للشباب الإسلامي على الساحة العالمية بدءاً من السعودية، والأردن، وماليزيا، وبنغلاديش، وتركيا، وأستراليا، ومالي، وكينيا، وقبرص، وألمانيا، وبريطانيا، وأميركا، وكما كان رحمه الله محباً للرياضة متعلقاً بها فقد كان قريباً من الشباب، فترأس في شبابه قسم الطلاب في الجماعة، ثم التحق بالعمل مديراً عاماً للشباب في وزارة التعمير المصرية في السبعينات، ورغم كبر سنه رحمه الله فإنه كان حريصاً على القرب من الشباب وتمكينهم ودمجهم في جميع ميادين العمل.
يعتبر عاكف من البقية الباقية التي لم تغيّر ولَم تبدل من الرعيل الأول من رجال الجماعة فقد عايش المحن الاستئصالية التي رافقت التأسيس، وذاق مرارة الظلم التي مارسها طغاة ذاك الزمان حين تربصوا بالجماعة في جميع مراحلها، ولفقوا لها التهم تلو التهم سعياً للخلاص منها وزجّوا بشبابها ورجالها بالمعتقلات، فكان منهم عاكف الذي عرفته الزنازين في عهد عبد الناصر ومن ثم السادات وليس انتهاء بمبارك وأخيراً في عهد السيسي.
سيرة عاكف هي سيرة المناضل الذي عاش طريداً ومات واقفاً، وكان بين أنصاره ومحبيه معلماً وقائداً، فكانت حياته عقيدة وجهاداً؛ فهي العقيدة التي شربها فتى يافعاً على أيدي مربيه وجهاد التزم دربه وخاضه على أرض فلسطين متقدماً جموع المجاهدين على ذاك الثرى.
مضى عاكف -رحمه الله- في طريق مخضب بالدماء منذ بدايته فلم يلتفت إلى هنا أو هناك، ولم يتطلع لغير السماء، ورغم كل جيوش الظلام فقد كان دائماً على ثقة بالصباح حتى أصابه سهم ذليل وغدراً رماه ذراع كليل.
هنيئاً لك الشهادة يا شيخ عاكف، فإنك وإن متّ فقد لقيت أحبابك، فروضات ربي أعدت لك ولأمثالك، وطيورها ترفرف حولك، فطوبى لك في ديار الخلود فلن يضيرك بعد اليوم كيد العبيد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.