من وين من سوريا؟!

ثقافة العنصرية تكاد تكون طبيعة بشرية، فالإنسان مفطور على التكبّر والمبالغة بالنسب والحسب، والدين الإسلامي حرص كل الحرص على تهذيب النفس من العنصرية القبلية واللونية واللغوية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/16 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/16 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

ثقافة العنصرية تكاد تكون طبيعة بشرية، فالإنسان مفطور على التكبّر والمبالغة بالنسب والحسب، والدين الإسلامي حرص كل الحرص على تهذيب النفس من العنصرية القبلية واللونية واللغوية.

أما الأنظمة الحديثة في دول الشرق الأوسط فلأنها أنظمة استبدادية تقوم على مفهوم الحزب الواحد، أو النظام الواحد، أو الشخص الواحد عززت العنصرية بناء على تقبّل شعوبها لها.

وكان الهدف من تكوين عنصريات مختلفة على حسب عادات وثقافات شعوب كل منطقة.

فمثلاً في منطقة الجزيرة العربية وما حولها ما زالت القبيلة لها سلطتها وما زال التأثر القبلي موجوداً ومعمولاً فيه؛ لذلك حرصت الأنظمة الحديثة فيه على تعزيز النظام القبلي والعنصرية القبلية.

وذلك لإشغال الناس عن أهداف سامية وتعزيز مفهوم الدون والعلو عند الناس لتغطية أفعال سياسية تارةً، واستخدامها لخلق تنافس مناطقي أو قَبَلي على وجاهات تافهة تشغل الشعب عن أمور أسمى سياسياً واجتماعياً.

والذي يعرفه الكثير، ولكن يجهلونه بالوقت ذاته، هو أن هذه الدول العربية كلها لم يمضِ على تأسيسها إلا أقل من مائة سنة، وقبلها كانت أراضي متفرقة ومناطق لا يحدها مفهوم مناطقي أو سياسة معينة أو نظام.

والناس، كل الناس، كانوا يرحلون من منطقة لأخرى لأغراض معيشية واجتماعية، فابن القرية كان قبل سنوات ابن مدينة، ولكن هاجر منها لغرض المعيشة، وابن المدينة كان ابن بادية قبل سنوات فهاجر جده، وابن البلد المسمى عراقياً كان سورياً، والسوري كان حجازياً.. وهكذا.

ولأجل تعزيز تلك العنصرية المناطقية، حرص نظام البعث حرصاً شديداً على تفريق السوريين بها، حتى يخلق الطبقية التي من خلالها يمكنه أن يتلاعب بالناس على حسب ذلك مناطقياً، وحتى داخل كل منطقة، من خلال الأحياء.

كما أن بعض الدول العربية تتلاعب بشعوبها قَبَلياً، لذات السبب..
والمشكلة أن جميع الناس تقبلت ذلك وما زالت تعمل عليه حتى مع تطورهم ثقافياً وعلمياً.

علماً أن الدولة السورية هي كيان استحدث بعد الانتداب الفرنسي على سوريا، وتأسست الجمهورية السورية الأولى عام 1930، فعمر الجمهورية السورية أصغر من بعض الأشخاص الموجودين بيننا حالياً!

هذا السعي العنصري من قِبل نظام البعث أحدث شرخاً في المجتمع السوري، حيث انتقلت العنصرية إلى المثقفين والدارسين، فصارت شعاراً طبيعياً بين الناس، على أثره يمكن تقييمك اجتماعياً ومادياً وثقافياً.

من خلال منطقتك أو حيّك يمكن أن تلقى الاحترام من عدمه أو القبول من عدمه في كثير من شؤون حياتك.

وكل من يقول غير هذا يكون مكابراً جداً ومثالياً جداً..
قد يكون ابن المدينة الفلانية أقل نسباً وحسباً من ابن القرية، ولكن المنطقة لها الدور الكبير في ذلك.

في الحقيقة كرامة الإنسان لا تستجلب من قبيلته ونسبه -على أنها مهمة- ولا من منطقته -على أنها غير مهمة إطلاقاً- بل تستجلب من خُلُقه ودينه وشخصيته المحترمة.

أول سؤال يتبادر للسوري عندما يجتمع مع سوريٍّ هو: من أين أنت؟
وأول سؤال يتبادر لأهل الجزيرة العربية هو: وش ترجعون له؟
وهي ثقافة غريزية بين المناطقية والقبلية.

ويكون تدرج السؤال السوري تمايزاً مبنياً على طبقات.
* من أين أنت؟
– من حماة.
* من السوق أم من الحاضر؟
– من الحاضر.
* من أي حيّ بالحاضر؟
وهكذا

* من أين أنت؟
– من الشام.
* من أين من الشام؟
– من دمشق.
* من أين من دمشق؟
– من الصالحية.
وكذلك
* من أين أنت؟
– من دير الزور.
* من أين من الدير، من المدينة أم القرى؟
– من القرى..

فلكل منطقة طبقة اجتماعية ومادية وثقافية تصنف من خلالها وتعطى الاحترام اللازم وغير اللازم.

قلّ جداً من يخلو من هذا التصنيف المناطقي في سوريا، وحتى بعد الثورة السورية وتوحد المدن وانفتاح بعضها على بعض، تجد أن العنصرية لا تزال متغلغلة، على الرغم من مكافحة الناس بمحاولة الوعي.

الديري يرى ابن القرية "شاوي"، والشامي يرى الحمصي "عالبركة"، والحلبي يرى الحموي "بسيطاً"!

المشكلة هي اختلال المفاهيم والمقاييس على كثير من الأصعدة؛ مقياس الزواج ومقياس التعامل، ومقياس الاحترام.

علماً أن المقياس المهم في أغلب الأمور هو خلق الإنسان ودينه ثم نسبه وحسبه ثم علمه وثقافته.

وشيء ليس بالسهل أن يتجرد الإنسان من عنصريته الداخلية، بل تحتاج إلى مزيد من الثقافة؛ لأن الإنسان كلما ركن إلى جهله ازدادت عنصريته، وكلما تعلم وتثقف أصبح أكثر وعياً واحتراماً لذاته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد