منذ فجر التاريخ عندما وُجد الإنسان على هذه الأرض استشعر عن طريق فطرته وتجاربه أخطاراً محدقةً به، ما دعاه لخلق وسائل للدفاع عن نفسه وعن أرضه، ثم طور هذه الآليات لحماية نفسه حسب العصر الذي كان يعيش فيه وحسب الأدوات التي أتاحها له عصره.
وتبلور هذا المفهوم عبر العصور لابتكار شيء يسمى بالجيش، ومهمته بالدرجة الأساس حماية الدولة من أي عدوان أو خطر، تحت مسمى وزارة الدفاع في جيوشنا في عصرنا هذا، وهذه البديهة الإنسانية نكاد نفقدها في جيوشنا العربية، بديهية حماية الوطن أعني.
المتفحص لتاريخ جيوشنا العربية وإنجازاتها، ربما لن يجد إنجازاً عسكرياً من مهامها في حماية الأوطان؛ الجيش اللبناني على سبيل المثال لم يتصدّ عبر تاريخه للعدوان والاجتياحات الإسرائيلية، ولا في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة، بل كان فقط يقتات على معونات تأتيه من الولايات المتحدة والمملكة البريطانية وفرنسا، وأنه صعد سلم الشهرة بعض الشيء بعد أن مثل فيديو كليبات مع هيفاء وهبي ونجوى كرم وغيرهما من ذوات الكعوب العالية والتنانير القصيرة.
فتحت هاتفي الذكي ورحت أراقب خريطة ما يسمى الوطن العربي، فاتجهت يميناً إلى الجيش السوري أو ما يعرف بـ"جيش أبو شحاطة" أو "جيش تعفيش المواطن"، فبحثت عن إنجازاته فوجدت فيها الشيء الوفير، هزيمة النكسة سنة 67 وتسليم العدو الصهيوني أكثر الأماكن خصوبةً في المنطقة (الجولان) ومسرحية حرب تشرين الهزلية، وبعدها حرب الاستنزاف التي كانت من المفترض أن تستنزف العدو الإسرائيلي، لكنها لم تستنزف سوى الشعب والمواطن البسيط اقتصادياً وسياسياً وجسدياً وربما جنسياً، واجتياح مدينة حماة وجزء من مدينة حلب العريقة سنة 82 بكل بسالة وإقدام، وتدميرها فوق رؤوس أهاليها ودفنهم أحياء.
ولكنه أصبح مثل الغول المتوحش على شعبه أثناء ثورة الكرامة عام 2011، هذا الجيش الذي بذل الغالي والنفيس في تسطير الملاحم البطولية التي لم يعرف مثلها تاريخ البشرية على مر العصور السحيقة منها وحتى الحديثة، فقد قام بقتل حوالي مليون شخص من شعبه واعتقال الألوف المؤلفة منهم أيضاً، وتهجير حوالي نصف عدد سكان هذا البلد بين الداخل والخارج، واعتقال الألوف وتدمير مدن كاملة وحضارات قديمة مسحها عن وجه الخارطة، واستخدم كل ما خزّنه من عتاد وسلاح منذ حوالي 40 عاماً لهذه المعركة الحاسمة ضد شعبه، وتجربة كافة أنواع الأسلحة على رؤوسهم ابتداء من الكلاشينكوف ومروراً بالمدرعات والمجنزرات وراجمات الصواريخ والطيران، وانتهاءً بالأسلحة الكيماوية، هذه كانت إنجازاته على الصعيد الداخلي.
أما على صعيد الجوار فله أيضاً إنجازات يتفاخر بها في المحافل الدولية، وبدأت إنجازاته الخارجية سنة 76 عندما احتل جاره لبنان تحت ذريعة طرد الجيش الإسرائيلي وتطييع الوجود الفلسطيني في لبنان، وهو أنجز المهمة، ولكن كما يقولون باللهجة العامية (بالشقلوب)، فبدل أن يقوم بطرد العدو الإسرائيلي قام بطرد اللبنانيين من بلادهم، بعد أن قام بسرقة ونهب خيرات هذه البلاد وجرائم قتل وانتهاك الأعراض على شقيقه المتمثل بالشعب اللبناني وزيادة الشحن المذهبي والطائفي بين الفئات اللبنانية المتقاتلة من جهة، وبين اللبنانيين والفلسطينيين من جهة أخرى، ثم اختتم إنجازاته لدى جاره لبنان باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 وكان هذا آخر إنجازاته قبل طرده.
وماذا نعرف عن جاره الجيش العراقي الذي عاش طول حياته في حروب لم يُعرف لها أول من آخر والتي لم تكسب شعبه سوى الفقر والجوع والتخلف ونهب خيراته ونفطه من القاصي والداني، ابتداء من حرب الثماني سنوات مع إيران، ومروراً باجتياح الكويت وعملية التطهير العرقي ضد مكون أساسي كبير يشكل جزءاً لا بأس به من النسيج الاجتماعي العراقي، وهم الشعب الكردي المتمثل في مجزرة الأنفال ومجازر أخرى عديدة لست بصدد مناقشتها حالياً.
والجدير بالاستغراب -عزيزي القارئ- أن هذا الجيش أيام العدوان الخارجي المتمثل ببوش الأب والابن يتبخر هذا الجيش بالهواء لا أدري لماذا؟
وإذا ذهبنا بعيداً إلى بلد المليون شهيد الجزائر، واطلعنا على تاريخ حربه فيما يسمونه العشرية السوداء، نجد إنجازات الجيش الجزائري ومخابراته تتجسد أيضاً حاله حال كل جيوشنا، ووفقاً لما جاء في مذكرات ضابط الاستخبارات الجزائري السابق العقيد محمد سمراوي، الذي يفضح من خلالها الفظائع التي ارتكبها الجيش وجهاز الاستخبارات بحق شعبه خلال هذه السنوات، والتي تتمثل في كتابه (وقائع سنوات الدم)، وكيف تمكنت الأجهزة الأمنية السرية والجيش من تضليل الجماعات الإسلامية، ويتضمن كتابه اتهامات صريحة ومباشرة للمؤسسة العسكرية بتورطها في التصفيات والاغتيالات، ويروي العقيد السمراوي بشكل دقيق استناداً إلى وقائع وتواريخ ذكر فيها أسماء العسكريين وكيف أصبحوا هؤلاء أمراء للجماعات الإسلامية المسلحة بمساعدة الجيش الجزائري.
وإذا عدنا قليلاً إلى أم الدنيا لا نجد حالياً سوى حصارهم على أهل غزة من معبر رفح وحربهم وبطولاتهم في صحراء سيناء على إرهابيين مفترضين صنعهم الجيش من ورق.
وإذا اتجهنا أقصى الجنوب إلى بلاد اليمن السعيد الذي أضحى الآن تعيساً نجد جيشه ما زال يقتل شعبه من أجل رئيس مخلوع محروق.
وإذا اطلعنا على دول وإمارات الخليج لا نرى سوى تسابقهم على شراء الأسلحة بكافة الأنواع والأشكال والتي يقومون بتكديسها من أجل معركتهم الكبرى ضد بعضهم البعض، والتي بدأت تتكشف معالم هذه العداوة من خلال الأزمة القطرية، ومن خلال المملكة السعودية التي أرسلت عاصفة من الصواريخ لم ولن تنتهي.
عزيزي القارئ.. هذه كانت نبذة بسيطة جداً عن إنجازات جيوشنا في المنطقة العربية التي ترفع شعارات رومانسية براقة "الوطن والشرف والإخلاص والتضحية"، وأنا لا أنكر هذه الشعارات؛ لأنها تطبق بالفعل، ولكن ليس لحماية المواطن والوطن، لكن هي لحماية عروش الحكام والملوك والأمراء وبقائهم هم وأعوانهم في السلطة، والمواطن البسيط هو مَن يدفع الثمن.
عزيزي القارئ.. أنا هنا لست بصدد إهانة الجيوش وتخوينها، أنا فقط أريد أن أجد جيوشاً تدافع عن أرضها ووطنها وشعبها التي تكونت بالأصل منه، وأن تتوجه بوصلة جيوشنا العربية وبنادقها لحماية الشعوب والديمقراطية والحريات، والدفاع عن حدودها من أي خطر خارجي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.