استفتاء كردستان

هناك خياران لا ثالث لهما؛ إما تحرك دولي وإقليمي لوقف استفتاء كردستان ولو بالعقوبات السياسية والاقتصادية كما أعلنت أميركا، وإما بغداد تتعامل مع الاستفتاء ونتائجه بالإهمال بعيداً عن التصعيد العسكري والقومي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/11 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/11 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش

هناك خياران لا ثالث لهما؛ إما تحرك دولي وإقليمي لوقف استفتاء كردستان ولو بالعقوبات السياسية والاقتصادية كما أعلنت أميركا، وإما بغداد تتعامل مع الاستفتاء ونتائجه بالإهمال بعيداً عن التصعيد العسكري والقومي.

‏أما في شأن التهديد باستخدام القوة من طرفي المعادلة فلا ينفع بغداد ولا أربيل؛ لأن الرد سيكون عنصرياً وشاملاً دون أي قيود أو ضوابط إنسانية فيحترق به الجميع، لا سمح الله.

‏الآن انتبهوا إلى التصعيد الإعلامي فهو مستمر منذ شهر، والآن بدأوا يتحركون لتسعير الكراهية والحرب؛ لأن المتربصين من الطرفين أسسوا عصابات لنشر الكراهية القومية وبدأت عملياتهم القذرة!

‏استفتاء كردستان يقضي بواجب التعامل بعقلانية الحوار والالتزام بتعاليم الدستور وبكل الوسائل المتاحة سياسياً.

المشكلة -حسب رأيي- ليست في آلية الاستفتاء فهي إحدى وسائل الديمقراطية التي كفلها الدستور لتقرير المصير، ولكن في توقيته وشمول المناطق المتنازع عليها خارج الإقليم وعجز اللجنة المنظمة للاستفتاء عن صناعة رأي إقليمي أو دولي يساند قضيتهم.

بغداد باستطاعتها أن لا تنفعل من الاستفتاء، فالدول الكبرى كفيلة بإجهاض نتائجه وحراكه، وكذلك عليها أن تختبر مصداقية من زعم أن أحزاب كردستان الحاكمة بلا قاعدة جماهيرية، وعلى هذه الفرضية فإن نتيجة الاستفتاء بـ"لا" ستكون هي الفائزة، وبالتالي تحقق لبغداد صيداً ثمينا، فشل الاستفتاء بـ"نعم" والثانية اختبار تلك الفرضية السائدة حالياً.

اللجنة العليا للاستفتاء الكردية ناقشت تأجيل الاستفتاء بشرط الاتفاق على موعد جديد مع بغداد بضمانة دولية، وهو ما لا تستطيع الحكومة الموافقة عليه، وهو تدويل لقضية داخلية أحد أطرافها الفاعلين إسرائيل، ولا تريد أحزاب الحكم في بغداد أن تتورط برجوع العراق إلى إدارة الأمم المتحدة.

بوصلة الزمن تؤشر أن احتمالية إجراء الاستفتاء‬ قد تكون في وقته 25 سبتمبر/أيلول رغم رفض العرب والتركمان والمسيحيين والكاكائية والشبك وجزء من الأيزيديين وحركة التغيير والجماعة الإسلامية الكردية ورفض رسمي إيران وتركي والأمم المتحدة والجامعة العربية ورفض صريح لأميركا والاتحاد الأوروبي، لكن مع هذا الرفض الواسع، فمن المرجح أن يحظى خيار الاستقلال بالغالبية باستفتاء كردستان.

بغداد وقعت في تيه أيهما تناقش استفتاء إقليم كردستان أو استفتاء المناطق المتنازع عليها أم رفض الاستفتاء بكل تفاصيله، بالإضافة إلى الجدل حول قرار مجلس محافظة كركوك العراقية بشمولها بالاستفتاء.

ستفتقر نتيجة الاستفتاء إلى تحيز أممي، وستعاني من عدم قبول محلي وإقليمي ومن اعتراف بشرعيته دولياً، عدا إسرائيل، وينكد على الشعب الكردي الجغرافية التي تحاصرها بقوميات معادية ورافضة لاستقلالهم، وهذا يفرض على عقلاء كردستان أن يتراجعوا عن الاستفتاء حتى ينسقوا مع المجتمع الدولي والإقليمي، وإلا ستكون كردستان دولة بلا جوار، بل دولة بجدران.

تشبيه تجربة انفصال كردستان بتجربة تشيكوسلوفاكيا فيه الكثير من الفوارق وبُعد عن واقعية المقارنة، وأيضاً هناك خطأ في المقاربة بين تجربة دولة جنوب السودان ومغامرة كردستان من حيث الاعتراف الأممي والدولي وإجازة الدول الأم ذلك، محاولة كردستان العراق هي لمستقبل قادم وليس للانفصال المباشر، لكن هذه المحاولة التمهيدية مع أنها غير معترف بها سوف تجعل من بغداد الوحدوية كالخاتم بيد سيد اللعبة المفاوض الكردي.

قوات الحشد الشعبي لديها تماس مباشر مع قوات كردستان وعلى حدود وهمية طولها 1081 كم من الشمال الغربي لناحية ربيعة، وصولاً إلى الجنوب الشرقي في خانقين، وهذا أخطر ما سيكون في مرحلة ما بعد الاستفتاء، وقد حدث سابقاً مناوشات ومعارك مؤقتة بين الطرفين، أبرزها في السعدية وطوزخورماتو وقرى جنوب غرب سنجار، وهذا ما ينبغي أن تتنبه له حكومة بغداد الهادئة جداً، وحكومة أربيل الساخنة جداً، بأن ثمار جدلهم ستكون دماء الشرفاء من طرفَي الحدود الوهمية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد