مُرشَّح يُرشِّح نفسه للانتخابات البرلمانيّة؛ فيَهُمُّ بالنظر في المطالب الشعبيّة؛ فيرى شعباً يُنادي بمصالح فرديّة وشخصيّة وواسطة ومحسوبيّة، شعب لا يرى أي أهميّة لمشاريع تنمويّة أو تطويريّة أو قوميّة تنعش الحالة الاقتصاديّة للبلد لفترةٍ ربما ستكون أبديّة، المرشح لعضويّة البرلمان يعلم أن مفتاح نجاحه الآن يعتمد على التركيز فقط على هذه المطالب الشخصيّة، فتكون لها دون غيرها الأولويّة وكلُّ الأهميّة.
ينجح المرشح ويصبح نائباً في البرلمان، والمشكلة تبدأ من الآن، فالنائب أمامه خياران: إما العمل وحيداً بما يُرضي وجه الرحمن، وهذا النوع سيفشل مباشرة تحت قبة البرلمان، فلن يصوِّت معه أحد على أي قرار أو إجراء، وسيغرد خارج السرب وحيداً مُواجَهاً بالرفض والإقصاء، وسيعجز عن تنفيذ وعوده لِمُنتَخبيه، وإما أن يتكتّل ويصوت لمصلحة الكتلة راضخاً للواقع الذي يعيش فيه.
تلك الكتل البرلمانيّة قويّة؛ لأنها مدعومة؛ تُدعم بسريّة أو علنيّة من الحكومة، التي لها مآرب مالية مرغوبة، كما تُدعم من أصحاب رؤوس الأموال، الذين يسعون للاستفادة من تصويت النوّاب لقرارات تساعدهم في صناعة البزنس خاصتهم في كل الأحوال.
النائب يحتاج الدعم الداخليّ (دعم الكتلة) فصوته جاهز لتأييد قراراتها لتحقيق مصالح مشتركة أو فرديّة، ويحتاج الدعم الخارجيّ (دعم الناخب) فيستثمر بعرض الواسطة والمحسوبيّة، ذلك بالتأكيد ليُبقي على حظوظه في النجاح بالدورة الانتخابيّة التالية، فتكون الواسطة للأقارب ولمن صوّت له من الحاشية، فيقوم النائب بإيجاد عمل لهؤلاء الأفراد، لوظيفة في شركة ليست بحكومية بعد اليوم إنما لـ(س) و(ص)، والتي بيعت وتمّت خصخصتها من الحكومة لأصحاب البزنس ورؤوس الأموال، بحجة أن ذلك سيحسن الاقتصاد والأحوال، وبموافقة وتأييد من أولئك النوّاب، الذين سنّوا قانون خصخصة شركات البلاد بسعر التّراب.
فما حصل حقاً هو:
– النوّاب سنُّوا القانون وقبضوا العُربون.
– الحكومة خَصخَصت الشركات، وقبضت الدولارات والشيكات.
– أصحاب البزنس ورأس المال اشتروا الشركات بسعر كان سهل المنال.
– عامة الناس احتاجوا الواسطة والمحسوبيّة، للعمل في تلك الشركات التي أصبحت ملكيّة خصوصيّة.
وما يراه المواطن هو أسمى صور العدالة والديمقراطيّة، فقط بما يسمع على الأخبار المسائيّة:
– النواب يعملون ليل نهار لتوظيف أبناء البلد قاتلين البطالة في كل دار.
– الحكومة ديمقراطيّة تسعى لتحسين الإنتاجيّة والقضاء على الطبقيّة بخصخصة الشركات الأُمَميّة.
– المستثمرون أصحاب رؤوس الأموال يبدؤون الاستثمار جالبين اليورو والدولار.
– تحسّن عجلة الاقتصاد بفضل الشركات المُخَصخَصة التي توسعت في جميع أرجاء البلاد.
عند السؤال: مَن سرق الوطن؟ لا تُسيئوا ببعضكم الظن، بل اصدقوا جميعاً، وبصوت واحد قولوا: هذا نحن! هذا نحن كلنا مَن سرق الوطن!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.