شعوب الثورات: شعوب على هامش الحياة

بعد ست سنوات من تحورات الثورات من مظاهرات سلمية إلى ثورة مسلحة وما فتحت من أبواب التشرذم وتعدّد الجهات التمويلية والأيديولوجية ودخول البلاد في حالة حرب ابتلعت كل شيء وتحولت فيها لدولة شبه فاشلة في كل شيء إن في السيادة أو حتى في الأمان والاستقرار، ربما الأبرز الآن هو لماذا الحال كما هو عليه الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/06 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/06 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش

لم يتبقَّ من العام 2011 الآن سوى بعض ذكريات المظاهرات وحملات الكفاح المدني وبعض الوقفات التي تذكر من حينٍ لآخر بذاكرة معينة في التاريخ السوري الحزين وقليل من الهاشتاغات.

بعد ست سنوات من تحورات الثورات من مظاهرات سلمية إلى ثورة مسلحة وما فتحت من أبواب التشرذم وتعدّد الجهات التمويلية والأيديولوجية ودخول البلاد في حالة حرب ابتلعت كل شيء وتحولت فيها لدولة شبه فاشلة في كل شيء إن في السيادة أو حتى في الأمان والاستقرار، ربما الأبرز الآن هو لماذا الحال كما هو عليه الآن؟

إبّان الثورات في بلاد ما عُرف بـ"الربيع العربي"، لم يكن لدى الشباب الرؤية الشاملة الكافية عن واقع البلاد السياسي ومدى ارتباطه بالمجتمع المحلي وعدوى الفساد المتغلغلة في جذور ليس فقط الطبقات السياسية وإنما حتى الطبقات الشعبية داخل المجتمع، إضافة طبعاً للقوة الأمنية القائمة عليها الدول ضمن مفهوم الدول العميقة، جعل إمكانية نجاح آتٍ تغييراً حقيقياً صعباً وسينتج هدم كل بنى المجتمع والدولة وهذا ما حدث ولو بتفاوت.

أيضاً لم تعمل الطبقة النخبوية في المجتمعات على ملء تلك الفجوة ما بين الواقع وبين طموحات الفئات الثائرة، مع منطقية المطالبات والشعارات التي رفعت إبان الثورات بالحرية والعدالة وحياة أفضل، بل ربما على العكس، شكّلت تلك النخب عبئاً آخر على الشارع حينما التفتت مبكراً حتى لضمان مصالحها السياسية والمالية والمحاصصات دون أن تمارس أدنى دور بالمساعدة بنقل الشعوب من حالة إلى حالة أخرى من الوعي الوطني، كانت ربما تكون كفيلة بضمان وصول الثورة إلى برّ يصعب استغلالها أو إفشالها أو حتى الانقلاب عليها؛ ليتحول شباب الثورة من الشارع إلى أزقة العالم الافتراضي إن لم يكونوا داخل سجون، ومن هتافات إلى هاشتاغات ومنشورات.

لا يمكن إغفال العالم الافتراضي وتأثيره في الرأي العام وسرعة وصول المعلومة أو الخبر، حتى إنه كان عاملاً رئيسياً في حقبة الثورات لتقديمه حلولاً لمشكلة القوانين العرفية المانعة لأي تجمع بشري خارج حلقة السلطة، فسهلت التجمعات والتواصل بين المجموعات، لعبت دوراً محورياً حتى أصبحت جزءاً من الثورة والثورة المضادة وساحة أخرى من ساحاتها.

هذا الدور نما إلى أن أخذ بعض المساحة الأكبر منه حتى، ذلك مرده لسببين؛ أولاً لتوسع دور شبكات التواصل في حياة الإنسان مؤخراً؛ حيث إنها تعدت مكاناً للترفيه أو التواصل، وأيضاً بسبب تضاؤل فرص تطبيق أي فكرة على الأرض حقيقة بسبب دخول العالم في مفاهيم قمعية جديدة، جعلت من أي تغيير حقيقي يصبح أصعب، وهنا وعلى نطاق الثورات العربية بسبب إحكام الأنظمة قبضتها الأمنية أكثر، وخصوصاً بعدما مُني أغلبها بفشل جعلها بمثابة كابوس لكثير من فئات الشعوب الطامحة لقوت يومها وأمان لا أكثر، ومع ذلك، هو عالم افتراضي أولاً وأخيراً.

يجب على الشعوب أن تدرك ألا تتحول إلى أسماء وأرقام في عالم افتراضي، فتغيير المجتمعات والأنظمة والمشاركة لا يتحقق في شبكات تواصل، ربما الأرض الآن لا تملكها الشعوب بسبب التدخلات الدولية الكثيرة فيها، لكن في النهاية أي تغيير حقيقي يجب أن يكون له ظل وأن يكون منعكساً على الأرض، وإلا أصبحت الهزيمة مكتملة الأركان وعلى كافة الصعد.

وكما تم الذكر تتحمل النخب الثقافية والسياسية في كل بلد عبئاً بسبب ابتعادها عن حلقة الشارع وتعاليها عليه في بعض الأحيان، مما فتح ثغرات للهزيمة أن تدخل ويتحول طالبو الحريات والتغيير إلى طالبي أوراق ولجوء على أبواب البلدان والسفارات.

على الشعوب أن تعي أنه بات لا مكان ولا متسع لفشلٍ آخر، وعليها أن تحدد البداية من جديد، لديها الآن رصيد وافر من التجارب ومن الحقائق فيما يخص أي شعب وطبيعته والتداخلات المعقدة فيه، أصبح لزاماً عليها إن أرادت أن تعود إلى خريطة الشعوب أن تبحث فيما بينها من جديد عن ملتقى ليس في شبكات التواصل، وإنما على الواقع وإلا ومع الزمن ستتلاشى ليس فقط أحلامهم وحتى وجوديتهم كشعب واحد، هي ليست الحافة الأخيرة، لكن أصبحت مواجهة التهميش ضرورية، وإلا كان الهامش في الانتظار، على هامش هذه الحياة كشعب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد