بالأرقام.. بقايا أطلال دولة اسمها العراق

رغم بشاعة ما لاقاه هذا البلد من سوط عذاب على مرّ القرون، إلا أنه لطالما كان يعود ليرمم نفسه ويكون حاضراً في صناعة الأحداث وإن كان الثمن باهظاً، ولهذا كان العنوان "بقايا أطلال دولة" وليس "نهاية دولة" فهو باقٍ وإن غارت بعض ملامحه تحت الرماد.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/29 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/29 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

تردد مصطلح غزو بغداد في التاريخ نحو 16 مرة، كان لموقع العراق الاستراتيجي سبب سال لأجله لعابُ الغزاة، فيما أصبح ساحة للصراع بعد أن بات حاجزاً شرقياً بصفة المدافع عن الثقافة العربية أمام الغزو والاستغزاء الفكري لمرحلة ما بعد الفتح الإسلامي خصوصاً.

ورغم بشاعة ما لاقاه هذا البلد من سوط عذاب على مرّ القرون، إلا أنه لطالما كان يعود ليرمم نفسه ويكون حاضراً في صناعة الأحداث وإن كان الثمن باهظاً، ولهذا كان العنوان "بقايا أطلال دولة" وليس "نهاية دولة" فهو باقٍ وإن غارت بعض ملامحه تحت الرماد.

حتى اللحظة لا يمكن إدراج إحصائية نهائية ومعتمدة توثق وبالأرقام حجم الدمار ونسب الانهيار بالبِنى التحتية في العراق خلال الأربعة عشر عاماً الماضية نتيجة لضعف البيانات وشحّتها في ظل غياب منظمات مستقلة لا تأبه للضغوط والتهديد من قِبل الحكومة في بغداد، التي هي الأخرى باتت في موقف يناقض نفسه، فهي من جهة لا ترغب في شر غسيل فضائحها أمام الجميع، وبالتالي إثبات فشل ما أطلق عليه بتجربة الحكم الديني في البلاد، ومن جهة أخرى تحاول أن توصل نداءات استغاثة على مضض لتستجدي خلالها دعماً دولياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا دولة.

وبعيداً عما تحاول الحكومة في العراق الترويج له من انسيابية في الحياة وعدم وجود أي من المنغصات عبر بث لقطات تعرضها قنواتها لاحتفالات هنا وهناك ومولات وأسواق تعج بمارة معظمهم يكتفي بالتفرج والمشاهدة لعجزه عن التبضّع، إلا أنه من الممكن الإحاطة بحقيقة ما يجري حين نعلم أن العاصمة بغداد قد خرجت من قائمة أسوأ المدن للعيش في العالم بعدما خسرت المعايير التي كانت تضمن لها الدخول في هذا التصنيف الدولي السنوي، بحسب وحدة المعلومات التابعة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، التي أكدت أن العاصمة بغداد لم يشملها التصنيف هذا العام؛ لعدم توفر أي مؤشرات قابلة للقياس فيها أساساً.
وبهذا فشل العراق في أن يحافظ حتى على ما كان يحصده للسنوات الخمس الماضية على التوالي، وهو المركز الثالث عالمياً والثاني ضمن منطقة الشرق الأوسط كأسوأ بلدان العالم من الناحية الأمنية خلال تقييمات أجرتها مؤسسة غلوبال بيس إنديكس الأممية ""Global peace indicator ضمن مؤشر السلام العالمي.

الأمم المتحدة وعبر بعثتها في بغداد "يونامي" تنفذ بين الحين والآخر مسحاً حول الأوضاع في العراق، فضلاً عن رصد عدد ضحايا العنف في البلاد نهاية كل شهر، وبما أن عَجَلة الموت ما زالت تسير بخطى متسارعة ضمن دوامة حرب لا يبدو أنها ستنتهي في وقت قريب، بالتالي فإن إعطاء رقم نهائي لحصيلة القتلى والجرحى يعد ضرباً من الخيال وضحكاً على الذقون.

يقابل اليوم كل عشرة أشخاص في الداخل واحد في الخارج؛ حيث سجّل وجود حوالي 3.4 مليون مهجّر خارج العراق موزعين على 64 دولة، إضافة إلى حوالي 4.1 مليون مهجّر داخل العراق من بينهم حوالي 1.7 مليون يعيشون داخل مخيمات تخلو من أبسط مقومات الحياة، كما سُجل وجود 5.6 مليون يتيم تتراوح أعمارهم بين شهر واحد و17 عاماً، إضافة إلى مليوني أرملة تتراوح أعمارهن بين 14 و52 عاماً، وأيضاً نحو أربعة ملايين شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.

إضافة إلى ذلك، يوجد في المجتمع العراقي 6 ملايين أُمّي لا يجيدون الكتابة أو القراءة، واقع وثّقه التقرير السنوي لمؤشر الابتكار العالمي الصادر عام 2017، والذي يقيس حالة الابتكار على 127 دولة، فيما لم يرد اسم العراق أساساً ضمن التقرير، وليس هذا فحسب فقد تسبب افتقار العراق إلى معايير جودة التعليم بعدم تأهله للدخول ضمن إطار تقييم مؤشر جودة التعليم العالمي لعامي 2016 و2017، والذي شمل 140 دولة.

فمن أصل 14 ألفاً و658 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وإعدادية في البلاد فإن 9 آلاف منها متضررة ومتهالكة، بينما ما زال هناك 800 مدرسة مبنية من الطين في بلد يطفو على بحر من النفط، بينما تؤكد وزارة التربية العراقية الحاجة إلى 11 ألف مدرسة جديدة على الأقل لاستيعاب الطلاب ومعالجة تكدسهم في الصفوف بواقع 40 طالباً بالصف الدراسي الواحد.

أما البطالة فحدِّث ولا حرج، حيث سجل في البلاد ما نسبته 30% هم عدد العاطلين عن العمل، ليصل على أثر ذلك معدل العراقيين المسجلين تحت خط الفقر بأقل من 5 دولارات في اليوم الواحد إلى 35%، إضافة إلى أن 9% هي نسبة عمالة الأطفال دون سن الخامسة عشرة.

مؤسسة "أوكسفام" وهي اتحاد دولي مؤلّف من 20 منظمة غير حكومية، قالت في تقريرها الذي أصدرته مؤخراً، والذي حمل عنوان "مؤشر الالتزام بخفض اللامساواة": إن العراق جاء في المرتبة الرابعة ما قبل الأخيرة ضمن مؤشر الأنفاق على قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية من بين 152 دولة في العالم، يأتي هذا في وقت حاز العراق المرتبة الثامنة كأكثر دولة استيراداً للأسلحة بحسب بيانات لوزارة العدل البريطانية ونشرتها صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأميركية.

وبعد أكثر من عقد من الزمان ونتيجة لسياسات الحكومات الخاطئة منذ عام 2003 وحتى اليوم، فلكل ألف مواطن عراقي سرير واحد ضمن المستشفيات، فيما تمت زيادة تكلفة العلاج في المؤسسات الحكومية، وانتشر 39 مرضاً ووباء أبرزها الكوليرا وشلل الأطفال والكبد الفيروسي، فضلاً عن اتساع نطاق الإصابة بالسرطان والتشوّهات الخلقية.

وإلى القطاع الصناعي فهو الآخر لم يسلم من تداعيات الفوضى؛ إذ توقف حوالي 40 ألف معمل ومصنع ومؤسسة إنتاج في عموم مدن العراق؛ لتعتمد البلاد بحسب مصادر في وزارة التخطيط على 75% من المواد الغذائية المستوردة و91 % من مواد البناء والصناعات المختلفة من الخارج.

بدوره اعتبر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العراقي دخل مرحلة الخطر، مشيراً إلى أن الديون الخارجية على العراق بلغت 122.9 مليار دولار وبما يشكل 63.8 من الناتج المحلي الكلي، وهي كارثة اقتصادية لا تنفع معها قروض ولا مساعدات ولا حتى جدولة تسديد المستحقات.

أما ما يطلق عليه بالعشوائيات، وهي تجمعات سكنية غير قانونية وتفتقر لأبسط مقومات الحياة، فقد أظهر مسح جديد لوزارة التخطيط وجود أكثر من ثلاثة آلاف تجمع عشوائي في البلاد؛ ليصبح 16% من العراقيين قاطنين في عشوائيات.

وفي ظل تفشّي الفقر المدقع، فقد أكدت منظمة السلام العراقية المعنية بشؤون حقوق الإنسان أن العاصمة بغداد تليها البصرة وبابل ثم النجف بلغ معدل المتعاطين فيها الـ 6 في المائة وهذه أعلى نسبة يصلها العراق في تاريخه.

وأخيراً وليس آخراً، فقد تذيل جواز السفر العراقي قائمة الأقوى جواز سفر للدول وفق التصنيف العالمي لعام 2017 الصادر عن مؤسسة "أرتون كابيتال" ليحل في المرتبة الـ"91″ عالمياً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد