خطاب البطاقة الصفراء

تحدث الملك بلهجة صارمة، وكأنه يقول إن الصبر نفد، وبلغ السيل الزبى، وخاطب الشعب بلغة بسيطة كالتي يتداولونها ويستعملونها مع بعضهم البعض، ذكر كل ما يجول في خواطر الشعب وعبر عن المشاكل التي يعاني منها المواطنون البسطاء مع الإدارات العمومية وفقدانهم الثقة في الأحزاب السياسية، بل أكد أنه هو أيضاً لم يعد يتق بهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/22 الساعة 01:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/22 الساعة 01:25 بتوقيت غرينتش

بعد أكثر من أسبوعين ولا يزال صدى الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي للشعب قبل يوم من موعد عيد العرش يشغل الرأي العام، ويطرح تكهنات وفرضيات عن المستقبل السياسي المغربي، وذلك بسبب الأوضاع السياسية المتخبطة التي يعيشها المغرب، فمن جهة أزمة الريف التي تؤرق الدولة المغربية، ومن جهة أخرى ضعف الحكومة وعدم قدرتها على حل هذا المشكل، وهي التي خرجت للنور بشق الأنفس بعد تعثر وجمود سياسي دام أكثر من ستة أشهر.

تحدث الملك بلهجة صارمة، وكأنه يقول إن الصبر نفد، وبلغ السيل الزبى، وخاطب الشعب بلغة بسيطة كالتي يتداولونها ويستعملونها مع بعضهم البعض، ذكر كل ما يجول في خواطر الشعب وعبر عن المشاكل التي يعاني منها المواطنون البسطاء مع الإدارات العمومية وفقدانهم الثقة في الأحزاب السياسية، بل أكد أنه هو أيضاً لم يعد يتق بهم.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا سيخصص الملك خطاباً كاملاً من 30 دقيقة تقريباً فقط للتعبير عن هموم الشعب ومشاكله وانتقاد الأحزاب والمسؤولين والإدارات العمومية وتحميلهم مسؤولية هذا البلد؟

ألا نعلم نحن كشعب على أن المؤسسة الملكية تعرف كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة في هذا البلد، والأهم هو ألا تعلم المؤسسة الملكية أن الشعب يعرف أنها تعرف كل شيء، إذن ما الغاية المبطنة من وراء هذا الخطاب؟

زيادة على أن خطاب هذه السنة يعتبر من أقوى خطابات الملك منذ اعتلائه العرش قبل 18 سنة، ويعد تكملة لكل من خطاب سنة 2015 و2016، وهنا يجب طرح السؤال: لماذا أصبحت خطابات الملك أكثر حدة أو بمعنى آخر كل سنة تصبح الخطابات أكثر دقة في الانتقاد وأكثر صراحة؟

مباشرة بعد الخطاب الملكي كثرت التحليلات والفرضيات والتنبؤات عما يمكن أن يقع في الساحة السياسية المغربية على المدى القصير والطويل، ومما لا يدع مجالاً للشك أن الخطاب كان بمثابة الإنذار الثاني للساسة المغاربة، وفي انتظار الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب يوم 20 أغسطس/آب، فهل يمكن أن نذهب إلى أبعد من الإنذارات ويقوم الملك بحل كل من مجلس النواب والمستشارين بظهير وهو ما يخوله له الفصل 51 من الدستور، وبذلك ترفع الحصانة البرلمانية عن النواب وتفتح الملفات، وممكن أن نرى زعماء سياسيين مرموقين في أقفاص الاتهام بسبب فضائح فساد، أو أن يتم حل الأحزاب السياسية بمقتضى مقرر قضائي بما أن لا الملك ولا الشعب لم يعودوا يثقون في النخب السياسية المغربية.

بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من هذا، وأن يقوم الملك بإقالة حكومة العثماني الضعيفة، إلا أن البعض غير مدركين للقانون الدستوري الذي لا يعطي للملك بأي صورة من الصور الحق في إقالة رئيس الحكومة بطريقة مباشرة، فالفصل 47 من الدستور ينص على أن للملك الحق بإعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارة رئيس الحكومة، إلا أنه لا يوجد نص دستوري ومن غير الممكن من الناحية الدستورية إقالة هذا الأخير من طرف الملك إلا في حالة واحدة وهي إذ تم إعلان حالة الاستثناء بظهير، ولكن في نفس الوقت لا يمكن حل البرلمان أثناء ممارسة هذه السلطات الاستثنائية (الفصل 59).

ومن جهة أخرى، يمكن القيام بكل هذه الإجراء بحل البرلمان، وإقالة الحكومة وترأس الملك لحكومة جديدة مثل التي شكلت سنة 1960، عن طريق تعديل الدستور أو صياغة دستور جديد من أجل تعبيد الطريق للوصول الأمن لولي العهد للعرش بإزالة أكبر عدد من المشاكل المتراكمة، وبذلك يطبق العاهل المغربي ما قاله والده الملك الراحل الحسن الثاني، إجابة عن سؤال الصحفي الفرنسي إريك لوران: "ليس من مصلحتي أن أترك مكتبي يعج بالملفات والمشاكل، وإذا كان البعض في أنظمة أخرى يسعدهم ترك المشاكل والملفات لمن سيخلفهم، فإن ذلك بالنسبة لي جريمة في حق ابني، وعليه فإنني أحاول تسوية أكبر قدر ممكن منها".

إلياس العماري أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة كان أول الأحجار المنسحبة من رقعة الشطرنج، وعلى ما يبدو فإنه لن يكون الأخير.

في الختام، يبقى كل ما ذكرناه في هذا المقال تحليلاً شخصياً قد يصيب وقد يخيب، وقد يحدث جزء منه، وقد لا يحدث شيء.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد