اشتُهرت كثيراً قصة الملك ذي الأنف المقطوع، حينما أُصيب بمرض اضطر بسببه إلى قطع أنفه، وحينما رآه وزراؤه بلا أنف ضحكوا منه، فأمر على ذلك بقطع أنوفهم، ليأمروا هم أيضاً -بعدما رآهم جنودهم وضحكوا- بقطع أنوف الجند جميعاً، وهكذا حتى صار الأطفال تُقطع أنوفهم منذ ولادتهم، وصار الأنف مع مضي الزمن شيئاً مقززاً، فحينما رأوا رجلاً في قريتهم كان قد ضلّ طريقه، عجِبوا لوجهه ذي الأنف، ونصحوه بقطعه.
كلّما سمعت هذه القصة آسف على أنفسنا، حينما اعتدنا في بلادنا أن تُقطع يدُ السارق، وأن يلتف الحبل على عُنق القاتل، ويموت تعذيباً أو يُمضي بقيّة عمره في العتمة مَن رفع صوته واعترضَ على أمر الحاكم. لم نكن الوحيدين في سوريا نحيا والأكبال حول أعناقنا، حيث أرادوا أن نمشي ونرى، وبقيّة العمر صمّاً وعمياناً، كانوا ينصحوننا بأن نحني الرقاب لملوكنا، وأنّهم ولاة الله على هذي الأرض، ومخالفة حُكمهم تعني عصياناً.
في ظل ثورتنا زالت الأقنعة جمعاء، وعلمنا أنّ هناك ملوكاً حكموا على سجيّة ذي الأنف المقطوع. لكن باسم الدين، وخلف راية الإسلام، اغتصبوا عُذريّة ثورتنا، وأسبغوها وحشيّة ودماء، ناسين قول ربّ العزّة: "يَا أيُّها الذِينَ آمنوا لا تَتَّخِذوا عدوّي وعدُوّكُم أولياءَ تُلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقِّ".
هذه آيات الله التي لا جدال فيها، فيها النهي الصريح عن موالاة أعداء الله، وبطبيعة الحال فإننا لا نستطيع مخاطبة أيّ كان بوحي الشريعة الإسلامية، فلسنا أهلاً لنحاجج علماء أمتنا بما هم أعلم به، لكننا نعجب لأمرهم. منذ أن وطِئ أعداء الدين البقعة المباركة، التزم جميعهم الصمت واستمروا في صمتهم رغم أنّ حاكم دولتهم صافح عدوّ الأمة جمعاء، وعقد معه صفقة وقدّم له أموالاً، جميعنا يعلم أين يستخدمها، من فلسطين للعراق فسوريا لكل الدول العربية الإسلامية، التي يقف خلف دمارها وحربها.
فلماذا سكت علماؤنا عن مخالفة حُكّامهم أمر الله، بتأييدهم إراقة الدماء وانتهاك المحرمات، هل يرى آل سعود أن أصول الدين تقتصر على أحكام مملكتهم، وأنهم الوحيدون الذين يطبقون الشريعة، وباقي الدول العربية ثَبُت عليها حُكم داعش بأنها شعوب ردّة؟!
ردف ذلك قيام المملكة السعودية، بعد جهرها بعلاقتها الوطيدة مع أعداء الدين، بمقاطعتها قطر، وتكاتف دول الجوار معها على المقاطعة، وليحكموا على الشعب بالقطيعة، وكشعب يرى في أوامر وليّ دولته نوراً من أمر الله، فإنّه مطيع لن يخالف الأمر، ولو كان على أمر فيه فتنة بين الشعوب.
فلا نستطيع الجزم أو العلم إن كانت على حق، فدعاتنا أيدوها وأعلوا صوت حاكمهم، بذريعة أنه يطبق أوامر الله على الأرض؛ مما كان سبباً في الجهر بمعلومات كانت مموهة خفية عن الناس، لنعلم أخيراً أن آل سعود قد عفوا عن سجنائهم المحكومين إما بالإعدام وإما بالمؤبد، في جرائم متعددة، على شريطة أن يرتحلوا إلى سوريا والعراق، لنعلم أنّهم يسعون لاستيطان دول الخليج مقابل أن يُهدوا البقيّة لإسرائيل وأميركا، لنتيقن تماماً أنّهم لا يسعون لنصرة الدين إنما يريدون بسط نفوذهم والخلود.
تماماً، قد أدركنا لمَ لم تستجب المملكة لصوت الشعب السوري عندما استغاثها، أن تمُدّ يد العون له، أو أن تستقبله في أرض الله، لكنّها تستعد وتتهيّأ لسطو، وتتكاتف مع أذرع النظام السوري الفاسد على شعبه، ولسدّ ثغراتها وإسكات شعبها، أوهمته وأوهمت دول العالم بأكمله بأنها تحكم تحت ظل شريعة الله!
فلم يُخطئ محمود درويش بوصفه منهجية ديكتاتوريي العرب حينما قال: "سأختار شعبي واحداً واحداً من سلالة أمي ومن مذهبي، سأختار شعبي سياجاً لمملكتي ورصيفاً لدربي…."، حتى إنّ الخوض في الحديث عن كوارث العرب صار مقيتاً ومُخزياً.
فعجباً لدعاة الدين يخضعون لسلاطينهم! عجباً لهم يؤججون نار الفتنة والحرب! نعم، قد قالت الأعراب آمنّا فردّ عليهم ربّك: "لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تُطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً".
فلا حجّة بعد اليوم يا شعباً غفِل عن أمر ربّه، إن كنتم تخشون بأس ملوككم، فويحكم أن تصفقوا لهم على إفكهم وقتلهم الناس ظلماً وبهتاناً!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.