الوحوش البشريّة تصفّي حساباتها بدماء اللاجئين

قد يختلف بعض العرب وقد يتفق آخرون في وجهات النظر للأحداث التي تعصف بالمنطقة منذ سنوات، لكن مخيمات اللجوء وبلاد المهجر جمعت الكثير منهم وأجبرتهم على أن يتوحدوا في المصير المحتوم، بعد أن فرقتهم السياسة، فأصبح لهم مجتمعات جديدة يغمرها الحب والبساطة والعيش المشترك، رغم ما ينغصها من مرارة الغربة والشوق للأوطان وضيق الحياة

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/18 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/18 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش

قد يختلف بعض العرب وقد يتفق آخرون في وجهات النظر للأحداث التي تعصف بالمنطقة منذ سنوات، لكن مخيمات اللجوء وبلاد المهجر جمعت الكثير منهم وأجبرتهم على أن يتوحدوا في المصير المحتوم، بعد أن فرقتهم السياسة، فأصبح لهم مجتمعات جديدة يغمرها الحب والبساطة والعيش المشترك، رغم ما ينغصها من مرارة الغربة والشوق للأوطان وضيق الحياة، فلا يكاد يومك يخلو من صورة طفل أشعث أغبر قد فعلت الشمس فعلها في لون جلده، يتبسم بفرح وبراءة لمن يصوره وهو واقف أمام باب خيمته، فالسنون الطويلة التي عاشها اللاجئون خارج أوطانهم علّمتهم الصبر وقوَّت روابط الإخاء بينهم.

وبكل ما أوتوا من صبر وعزيمة يدفعون عجلة يومهم للقاء يوم جديد علّه يحمل الأمل بلقاء الوطن، لكن بعض الأيام قد تأتي مليئة بالمفاجآت لهم، فلسبب من الأسباب تجد أحد السياسيين بعد أن أخذ حمامه المترف، وجلس على مكتبه الفخم تحت مكيف الهواء يحتسي قهوته الإنكليزية، وينفث دخان سيجاره الكوبي، يفكر كيف سيضعف معارضيه ويغدو بطلاً في عيون مؤيديه، فيتناول قلمه؛ ليكتب خطابه القادم للعامة: "علينا أن نطرد هؤلاء اللاجئين فهم أصبحوا يقاسموننا في أرزاقنا ويضيقون علينا مدننا وينغصون عيشنا لم نعد قادرين على تحمل أعبائهم فليعودوا من حيث جاءوا وكفى".

وما هي إلا ساعات حتى تجد المتظاهرين يملأون الشوارع ليعبّروا عن غضبهم واستيائهم من وجود هؤلاء اللاجئين ويطالبون بطردهم وقد يطال الغضبُ خيامَ اللاجئين فيحرقها ويطال أرواحهم فيزهقها بعد أن يتم اعتقالهم وسحلهم وتعذيبهم، أو يطال امرأة مسكينة لا حول لها ولا قوة فتخطف وتغتصب ويسحق رأسها بالأحجار مع رضيعها؛ لتفارق الحياة مع من تحمل في أحشائها، أو يطال شاباً عائداً من عمله فيطعن حتى الموت ليسلم روحه إلى بارئها.

كل هذا الغضب؛ لأن زعيمهم المفدّى فكر ودبر وقرر وخرج عليهم بأن البلد سيغدو أغنى وأجمل بدون لاجئين، فبعد وليمة الشواء التي دُعي إليها الزعيم خارج البلاد تحدّث مع مضيفيه عن همومهم، فأسرّوا لبعضهم البعض أنهم منزعجون من سياسات بلادهم ويريدون إزعاج باقي الأحزاب التي لا تروقهم، وبعد كثير من الطعام والضحك وقليل من طرق الكؤوس تساءلوا بين بعضهم البعض: لماذا لا نشن حملة ممنهجة على اللاجئين في دولنا، فهذا لا شك سيضعف مواقف باقي الأحزاب وسيجعلنا أبطالاً في عيون مَن يتبعنا، وكانت نتيجة اتفاقهم حرائق هنا وضحايا هناك، وصراخاً هنا وعويلاً هناك، وثكالى هنا ويتامى هناك، ومن سخرية القدر أن يجتمع طفلان في سن السادسة وُلِدا في المخيم وكبرا وتصادقا فيه ليسأل أحدهما الآخر مَن هم هؤلاء المتجمهرون بعيداً؟ ولماذا يصرخون هكذا بنا ويريدون طردنا من هنا أليس هذا المكان لنا؟ فينظر المسؤول للسائل بحيرة ويقول له: لا أعرف لكنا لن نذهب إلى مكان دعنا نلعب وليذهبوا للجحيم.

لم يكن اللاجئ يوماً ليوجّه اللوم على هذا السياسي أو ذاك فيما يشهده من مآسٍ فقد بات التوحش والدناءة والجشع صفاتٍ معهودة للكثير منهم، ولا تعاتب الضحية مفترسها ولكنه صار يتساءل: ترى ما الذي حدث لأبناء إنسانيته ممن يتظاهرون ضده؟ ترى ما الذي يدفع الواحد منهم أن يجلس في بيته الرغيد خلف حاسوبه لساعات ليتفنن بإطلاق تدوينة عنصرية تحرض على اللاجئ الذي يمكث مع أطفاله في خيمة من ثلاثة أمتار مربعة يكاد حر الصيف أن يحرقها؟ كيف نُزعت الرحمة من قلوب هؤلاء؟ هل انتقلت حمى التوحش من بعض السياسيين إلى الشعوب؟ كيف يقبل إنسان في الدنيا أن يكون عضواً في حملة ممنهجة مبرمجة لقتل وتشريد وتعذيب أبناء إنسانيته؟

كيف له أن يعود لبيته ليروي لأطفاله ما فعله من بطولات ضد المهجَّرين المستضعفين؟ ما الذي يحصل للشعوب هل يسممون مياههم بزرنيخ الكراهية والعنصرية القاتل؟ هل يجهزونها ليبيد بعضها البعض؟ ما أقساه من زمن نعيش فيه إنه زمن التوحّش!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد