عادت قضية جزيرة الوراق بالجيزة إلى سطح الأحداث مجدداً، بعد زيارة اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إلى الجزيرة صباح الأحد، 13 أغسطس/آب 2017، بتكليف من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بحسب قوله، للنقاش مع الأهالي والوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة، إلا أن الاجتماع لم يكتمل بعد هتافات الأهالي، فنقله إلى خارج الجزيرة بحضور ممثلين للأهالي.
لماذا غضب الأهالي من كلام مندوب السيسي؟
في سرادق كبير أقيم خصيصاً للقاء أُعلن عنه، الثلاثاء الماضي، عقب اجتماع الوزير بعدد من سكان الجزيرة بمكتبه بالهيئة، والمعلن أن اللقاء هدفه توضيح الحقائق والبحث عن نقطة اتفاق تراعي ظروف سكان الجزيرة، وتعطي الدولة حقها في حماية أراضيها وإزالة التعديات عليها.
وصل اللواء كامل الوزير إلى الجزيرة، ودخل مباشرة إلى السرادق الذي امتلأ عن آخره، وقد وقف الناس خارجه ينتظرون ما يقوله، فيما هتف بعضهم "تحيا مصر".
وبعد تقديمه التحية للأهالي بدأ الوزير حديثه، بأنه يحمل رسالة من الرئيس عنوانها "لن يُضار مواطن أو يُظلم في عهده، سواء في جزيرة الوراق أو في مصر كلها"، فصفَّق الأهالي، فأضاف: "كل من له حق سيحصل عليه، ولا يجب أبداً أن تتعارض مصالحنا الشخصية مع مصلحة الدولة والصالح العام".
ووعد الوزير الأهالي بالإفراج عن الشباب المقبوض عليهم في اشتباكات، يوليو/تموز الماضي، بين الأهالي وقوات الشرطة التي حضرت لتأمين تنفيذ 700 قرار إزالة بالجزيرة.
وحدد الوزير ثلاث نقاط سيتحدث فيها، وهي: أولاً "روض الفرج" الذي يخترق الطرف الشمالي من الجزيرة. ثانياً إزالة التعديات على أراضي الدولة، وإزالة المباني المُخالفة على الأراضي الزراعية، ثم ثالثاً تطوير المنطقة السكنية داخل الجزيرة.
وقال الوزير للأهالي سنخلي 100 متر على جانبي محور روض الفرج، فاعترض المجتمعون هاتفين "لأ.. لأ"، و"مش هنمشي.. مش هنمشي"، فسارع الوزير بالرد عليهم، وقال "سيكون كل شيء بالتراضي، ولن ننتزع سنتيمتراً واحداً غصباً".
وقال رئيس الهيئة الهندسية: "لا يرضى أحد بمخالفة القانون، ولا يجوز البناء على أراضي طرح النهر أو الأراضي المملوكة للدولة، والقانون يمنع ذلك"، وتابع: "المباني الموجودة في هذه الحالات ستتم إزالتها، لكن سيتم تعويض سكانها، إما بالحصول على أرض أخرى داخل الجزيرة أو الحصول على شقق في حي الأسمرات، الذي أقامته الدولة لنقل سكان المناطق العشوائية إليه.
وأضاف أن تطوير الجزيرة من المفترض ألا يعترض عليه أحد، لأنه خير للجميع، مؤكداً على أنه لن يطرد مواطن واحد من بيته و"الأهالي سيحصلون على حقهم، ولن نسمح بالشائعات أو بإقحام المغرضين".
إلا أن ما قاله الوزير لم يأتِ على هوى عدد كبير من المجتمعين، فرفعوا لافتات "الجزيرة مش للبيع ولا حرم ولا توسيع"، وهتفوا مؤكدين على مطالبهم بالبقاء في جزيرتهم.
وعليه قرَّر الوزير إنهاء اللقاء بعد حوالي ساعة، مطالباً بنقل الاجتماع إلى مكتبه، بحضور حوالي 20 أو 30 من الأهالي، يكون من بينهم شباب معترضين على ما يقوله.
ماذا دار في الاجتماع المغلق؟
في مكتب تابع لشركة المقاولين العرب، شركة حكومية متخصصة في الإنشاءات، اجتمع رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة اللواء كامل الوزير مع حوالي 30 شخصاً من سكان الجزيرة. أحمد عبد المغني كان أحد الذين حضروا الاجتماع المغلق مع اللواء الوزير.
يقول أحمد لـ"عربي بوست": "لم يقل اللواء الوزير أي كلام إضافي، بخلاف ما قاله أمام الأهالي"، لافتاً إلى أن الوزير طوال الاجتماع كان يؤكد على أن القوات المسلحة والشرطة لديهم القدرة على تنفيذ ما تريده الدولة بالقوة "لكنها لن تفعل ذلك، لأنها تراعي الظروف الخاصة لسكان الجزيرة".
وأضاف أحمد: "الوزير شرح رؤية الدولة في تطوير الجزيرة، وأكد على أن محور روض الفرج هو للمنفعة العامة، وسيتم تعويض المضارين بسببه، لكنَّه ضرورة، ولا بد من تنفيذه"، وأشار أحمد إلى أن الوزير أكد على أنه لن يرضى أحد بالبناء على طرح النهر، لأنه خطر على الأهالي في المقام الأول، بالإضافة إلى أنه مخالف للقانون".
وقال الوزير حسب ما نقله أحمد: "لو واحد جه بيته في التطوير.. ممكن نديله تعويض ويمشي"، فردَّ الأهالي "يمشي دي مرفوضة"، وطالبوا بتوفير البديل بالجزيرة.
وأكد أحمد أن اللواء طالب سكان الجزيرة بالتفكير فيما يقوله، وعدم السماح لأحد باستغلالهم، وأكد لهم على أن الرئيس حريص على ألا يضار أحد منهم.
وأشار أحمد إلى أنهم سيذهبون إلى الأهالي في الجزيرة، وسينقلون ما حدث في اللقاء إليهم، وسيتناقشون في الخطوة القادمة.
حكاية جزيرة الوراق
أحمد وُلد على الجزيرة منذ 49 عاماً، لأبٍ وُلد بالجزيرة، يشير إلى بيته ويقول هذا البيت عمره أكثر من 60 سنة، ويكمل حديثه مع "عربي بوست" نحن لسنا ضد الدولة، لكن الواضح أن هناك مسؤولين في الدولة يريدون أن يشعلوا الدنيا.
يعيش وأسرته مع قرابة 60 ألف نسمة هم سكان الجزيرة على مساحة 5 أفدنة (21000 متر مربع)، من بين 1600 فدان هي مساحة الجزيرة بالكامل.
ويعمل صياداً كغالبية سكان الجزيرة، الذين يعملون إما مزارعين أو صيادين، بينما هناك عدد آخر من شباب الجزيرة يعملون في مهن أخرى خارج الجزيرة، إما في القاهرة أو الجيزة أو القليوبية، وهي المحافظات الثلاث التي تقع بينها الوراق، بينما تتبع الجزيرة إدارياً وجغرفيا إلى الجيزة.
كان أحمد ضمن المشاركين في مظاهرات رفض حملات الإزالات التي قامت بها الحكومة، في منتصف يوليو/تموز الماضي، ويقول: "هذه أرضنا والخروج منها يعني الموت"، ويشرح أحمد بأن "سكان الجزيرة لا يعتبرونها مجرد سكن، وإنما مكان للعمل أيضاً، وتربية المواشي والطيور، ونساؤها يعملن في بيع اللبن والجبن والبيض، فهل هناك بديل به هذه الإمكانات؟" يسأل أحمد، ويجيب: "طبعاً مفيش".
يشتكي أحمد من الهجوم الإعلامي على أهالي الجزيرة، واتهامهم بأنهم مجموعة من البلطجية الذين يرفضون تنفيذ القانون، "بينما لم يقم أي من هؤلاء الإعلاميين بزيارة الجزيرة، أو الاستماع إلى ما يقولونه".
وتبنَّت غالبية وسائل الإعلام المصرية الرواية الحكومية، عن أحداث منتصف يوليو/تموز، عندما وقعت اشتباكات بين أهالي الوراق وقوة أمنية مشتركة من الشرطة والجيش، لتنفيذ قرارات إزالة بالجزيرة، وهي الأحداث التي نتج عنها وفاة أحد سكان الجزيرة، وإصابة 19 آخرين من المدنيين، بالإضافة إلى إصابة 31 من قوات الأمن، فانسحبت القوات من الجزيرة، وأجَّلت القرار إلى أجل غير مسمى.
وقال مجلس الوزراء تعليقاً على الأحداث، إن الحملة كانت تستهدف إزالة بيوت تمت إقامتها في حرم نهر النيل، وبيوت أخرى تم بناؤها على أراضٍ مملوكة للدولة، وجميع المنازل المستهدف إزالتها غير مسكونة.
وهو ما يراه أحمد كلاماً غير صحيح؛ لأن خط تهذيب النيل (حرم النيل) الذي وضعته وزارة الري هو 30 متراً شط النهر، لكن ما حدث أن الإزالات تمت في الداخل وليس على النيل.
ليست المرة الأولى
يتذكر أحمد ساعات القلق التي سيطرت على الجزيرة في 2000، بعد قرار الدكتور عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بتحويل جزيرتي "الوراق" و"الدهب" -إحدى جزر النيل بالجيزة أيضاً- إلى منافع عامة، يضيف: "أقمنا دعوى أمام القضاء وصدر حكم قضائي عام 2002، يقضي بأحقيتنا في الأراضي التي نقيم عليها".
ويتابع: "أخبرنا المحامي في 2010، أن حكومة أحمد نظيف أصدرت قراراً بترسيم وتوقيع الحدود الإدارية النهائية لخمس محافظات، جاء من ضمنها جزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، وقرَّرت الحكومة وضع خطة لتطويرها".
ويضيف بأن ثورة يناير/كانون الثاني، أوقفت الحديث عن التطوير، حتى تحدَّث الرئيس عبدالفتاح السيسي، في يونيو/حزيران الماضي، عن إزالة التعديات على أملاك الدولة، وذكر بالتحديد الجزر التي عليها تعديات، ثم أصدر المهندس شريف إسماعيل قراراً باستبعاد 17 جزيرة من تطبيق قرار رئيس الوزراء رقم (1969) لعام 1998، والذي كانت الجزيرة تعتبر بموجبه محمية طبيعية، وبالتالي بات من المتاح قانونياً تحويلها إلى منطقة استثمارية.