تغلق إسرائيل بوابات المسجد الأقصى، وتحوله إلى ثكنة عسكرية، وتواصل منع المصلين من دخوله، في خطوة تصعيدية هي الأخطر من نوعها منذ عام 1969.. ذاك التاريخ الذي شهد على الأقل تحركاً سياسياً وردة فعل غاضبة، كان من نتائجها منظمة المؤتمر الإسلامي التي جمعت الدول العربية والإسلامية في اتحاد واحد، كان هدفها يومها القدس أولاً والقدس أخيراً، وقيل يومها إن المسجد الأقصى خط أحمر.. فلم تتجرأ إسرائيل عليه علناً، ولم تبادر لاحتلاله، ومنع الناس منه، كما هو حاصل الآن.
يصرخ المرابطون اليوم، ويتكلم شجر الزيتون، وحتى جدران المسجد الأقصى المبارك نفسها، لسان حالها يردد: وين.. وين الملايين؟ الشعب العربي والأمة الإسلامية وين؟ فيصاب الجميع بحالة إنكار تصل حد التجاهل.. اللهم مظاهرات محمودة في بعض المدن العربية، ليست كسابقاتها في سنين خلت، كانت فلسطين فيها قضية العرب الأولى وعروس عروبتهم التي تغنوا بها ذات يوم من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي المحسوم لإسرائيل بيد عربية لا غير حتى الآن.
تمارس إسرائيل كل أنواع الإرهاب في أطهر مكان، فينشغل بعض الساسة العرب بإرهاب شعوبهم، والبعض بتوزيع الإرهاب على كل مَن هبّ ودبّ حتى غدا الجميع إرهابيين.. بمن فيهم المرابطون بالأقصى، حتى ولو كانوا يطالبون بأبسط حق، وهو ممارسة الشعائر الدينية في بيتهم المقدس.
تعود إسرائيل لعادتها القديمة في الاغتصاب والاستيطان، وعدم احترام أي شيء، فتعقد لها صفقات، وتباع من أجل أمنها الأرض، وتحاصر الدول، وتفرض حروب بالوكالة في أراض، وتُحرق أرض أخرى، والأمر منذ ذلك أن يقتطع البعض شيئاً من أرضه، لتأمن إسرائيل، وتقوى أكثر فأكثر.. فأي عصر ذهبي ذلك الذي تعيشه إسرائيل المحتلة لأرض فلسطين وقد كانت لا تملك من الأرض ذراعاً؟
فقويت ذراعها حين ضعفت أذرعتنا، واشتد ساعدها حين استرخت سواعدنا، ولم يعد لنا من القدس غير الدموع والذكريات والبكاء على أطلال الماضي.. فليت صلاح الدين يعود لها يوماً فتخبر بما فعل القادة بفلسطين؟
لم تعد القدس قضية العرب الأولى؛ لأنهم هم أنفسهم أصبحوا عبارة عن قضايا متفرقة في كل شارع من شوارعهم، جرح في كل مدينة، وفي كل بلد دم وشهيد.
دمشق التي كانت تهتف باسم القدس أصبحت قضية، وبغداد خلافتنا أصبحت قضية مؤرقة مؤلمة كحال القدس.
القاهرة نفسها أصبحت قضية بين الانقلاب والإرهاب.. دماؤها كثيرة جداً لا تقل عن دماء فلسطين وشهدائها.
اليمن السعيد أصل العروبة والحضارة أصبح قضية بين الحرب والانقسام والطائفية، وأخيراً الكوليرا الفتاكة.
الخليج الذي كان يدعم القضية الفلسطينية مادياً معنوياً مشغول بمشاكله المفتعلة، ورياضه لم تعد جنة القدس، بل صنفت مقاومته إرهاباً، وسكتت حين مورس الإرهاب ضده.
أما المغرب الكبير، فله همومه ومشاغله وحروبه وصراعاته الداخلية، لم ينجح يوماً في الاتحاد على شيء، حتى أضحى اتحاده مجرد اسم على ورق.. وُلد ميتاً كحال منظماتنا العربية الجامعة والمؤتمر.
أعذريهم يا قدس، فكلهم مجروحون، وعلى أمرهم مغلوبون، وأنت ما لك غير الله، فهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير.
علميهم يا قدس كما كنت دائماً الثبات والمقاومة والصبر والرباط والتضحية من أجل القضية.
علميهم أن الأوطان أغلى من أن تباع أو تهدى؛ لأن الوطن هو الأرض والعرض والشرف والقيمة والأمان.
علميهم أن حب الوطن إيمان، وأن حب الوطن فضيلة، وأن حب الوطن دين، وأن حب الوطن إنسانية.
ولا تصرخي أبداً يا قدس: وين.. وين الملايين؟ الملايين قد تحولت إلى مليون قضية، وأنت خير العارفين.
لن تتحرر القدس قبل أن تتحرر دمشق والقاهرة وبغداد وصنعاء وعواصم أخرى كبيرة وكثيرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.