مع ازدياد اللجوء السوري إلى لبنان بفعل الحرب في سوريا، بدأت الكثير من القناعات الخاطئة تتكون لدى معظم اللبنانيين -بما فيهم الطبقة السياسية- عن اللاجئين السوريين، وهو ما زاد حالة التوتر بين السوريين القادمين من أقسى محنة في القرن الحادي والعشرين، وبين اللبنانيين الذين يعانون أيضاً من ظروف صعبة، كرَّسها واقع الفساد وتداعياته، وجعل الباب مفتوحاً ليستفيد "البعض" من شمَّاعة "اللاجئين" لتكريس هذه القناعات الخاطئة في عقول أبناء البلد.
مفوضية الأمم تغطِّي تكاليف معيشتهم
كجزء من استجابتها لأزمة اللاجئين في لبنان، قامت منظمة الأمم المتحدة، عبر برنامج الأغذية العالمي بتزويد اللاجئين السوريين ببطاقات ذات مبالغ مالية بسيطة لتغطية جزء من احتياجاتهم.
لكن حتى منتصف عام 2015 خفَّض برنامج الأغذية العالمي قيمة البطاقة للشخص شهرياً، إلى 13,5 دولار، بعدما كانت 19 دولاراً، في حين كان قد بلغ رصيد ذات البطاقة للشخص الواحد 27 دولاراً في 2013.
يقول سامر (42 عاماً)، سوري مقيم في لبنان: "عندما كانت قيمة البطاقة 27 دولاراً للشخص الواحد، كانت تكفينا أقل من ربع المصروف، إذ كنت أتقاضى مع أفراد أسرتي البالغ عددهم خمسة أشخاص 135 دولاراً شهرياً، في حين مصروفنا يصل إلى ألف دولار شهرياً، وعندما تم تخفيض البطاقة إلى 13,5 دولار، لم تعد تكفينا حتى 10% من مصروفنا".
لكن حتى هذه الـ10% أوقفها برنامج الأغذية العالمي عن الكثير من السوريين في عام 2015، نظراً لانخفاض الميزانية المخصصة لدعم برنامج الأغذية -كما صرَّح- وحددت حالات قليلة لمن يستطيع الاستفادة من هذه البطاقات.
وتدفع عنهم إيجارات منازلهم
في دراسة أعدَّها معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف منتصف عام 2015، تبيَّن أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين يعيشون في شقق سكنية مستأجرة، في حين ذكرت تقارير إعلامية، أن ما يقارب الـ67% من السوريين يقطنون في تلك الشقق.
فيما ذكرت دراسة للجامعة الأميركية في بيروت، أن اللاجئين السوريين في لبنان أنفقوا 378 مليون دولار في عام 2016، على إيجارات منازل في لبنان، وهو ما لم تقُل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إنها غطَّته أو تكفَّلت به.
وحتى على مستوى خيام اللاجئين، فقد تبيَّن أن الكثير من الخيام يدفع أهلها إيجارات وجودها، وهو ما تشير إليه تقارير إعلامية ولاجئون سوريون في لبنان، إذ يصل إيجار أرض الخيمة الواحدة إلى 50 ألف ليرة لبنانية "ما يعادل 33 دولاراً" شهرياً.
يقول عمار (30 عاماً) وهو لاجئ سوري مقيم في لبنان، إن "هناك لبنانيين استفادوا حتى من مستودعات أو محال مهملة، وقاموا بتأجيرها لسوريين، في مدينة صيدا اللبنانية، مقابل مبلغ يصل إلى 100 دولار شهرياً، مع نيّة لرفع الإيجارات بشكل مستمر".
الجمعيات تساعد السوريين ولا تساعدنا
تشرف العديد من الجمعيات الإنسانية على ملف اللاجئين السوريين في لبنان، لكن لا يخفى على أحد حجم الفساد الذي طغى على عمل هذه الجمعيات، دون وجود رقابة حقيقية.
تقول ريهام -اسم مستعار- (30 عاماً)، وهي سورية مقيمة في لبنان "أصحاب جمعيات يعرفهم كل من في المنطقة التي أقطن فيها، باتوا من أصحاب الأموال والأعمال، ويمتلكون محال تجارية ومنازل، علماً أننا نعرفهم منذ بداية لجوئنا إلى لبنان، ونعرف حتى من اللبنانيين في المنطقة أنهم لم يكونوا يمتلكون أي أموال أو أعمال، هم فقط يقبضون على اسمنا من جهات خليجية وأجنبية، ولا نرى سوى القليل من تلك الأموال".
وفي حين كشف القضاء اللبناني عن اختلاس الأمين العام السابق للهيئة العليا للإغاثة اللبنانية إبراهيم بشير أموال الهيئة، في منتصف أغسطس/آب من عام 2014، ما زال الكثير من الفاسدين العاملين في قطاع إغاثة السوريين في لبنان لم يتم حتى اللحظة الكشف عنهم وتقديمهم للقضاء.
يتعدّون على أعمالنا
تعمل الغالبية العظمى من السوريين في لبنان بقطاعي البناء والزراعة، فضلاً عن قطاعات أخرى عديدة لا يعمل فيها العامل اللبناني، ويتعرَّض عاملون سوريون في كل سنة لحوادث، بعضها تؤدي للوفاة، بسبب هذه الأعمال الشاقة والمرهقة.
ورغم اعتياد اللبنانيين على عمل السوريين في تلك القطاعات حتى قبل الحرب السورية، إلا أن البعض ما زال يتحدَّث عن تعدِّي السوريين على أعمال اللبنانيين، وهو ما يزيد من حدَّة التوتر بين اللاجئين وأصحاب الأرض.
يقول إبراهيم، وهو عامل سوري في لبنان: "أصحاب أعمال لبنانيون هم من يطلبوننا للعمل معهم، لأنهم لا يجدون عمّالاً لبنانيين، بالتأكيد هم يستفيدون من كوننا أقل أجراً من العامل اللبناني إن توفر، وهذا بحد ذاته استغلال".
فيما فتحت أزمة اللجوء السورية البابَ لمئات الموظفين اللبنانيين للعمل في قطاع الإغاثة والتعليم وغيرها، مما تتصل بمنظمات المجتمع المدني، التي تُعنى بقضية اللاجئين السوريين في لبنان.
ورغم ذلك لا يمكن تجاهل القليل من الأعمال التي بات يعمل فيها السوريون في لبنان، والتي تتشابه مع أعمال اللبنانيين، لكن ليست بالصورة التي يتحدّث بها الإعلام ويضخمها، كما في عنوان تقرير جريدة الأسبوع العربي اللبنانية "العمال السوريون in واللبنانيون out".
يسعون للحصول على الجنسية
يكرر مسؤولون لبنانيون في كل مناسبة إعلامية بأنه لا يمكن السماح للسوريين بإعادة التوطين في لبنان والحصول على الجنسية، إذ يؤكد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل مراراً على رفض توطين السوريين، وبالمقابل سعيه لإعادتهم إلى سوريا.
ويتخوّف مسؤولون لبنانيون من توطين اللاجئين السوريين بعد تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، وتحديداً من المواليد الجدد، في وقت يعاني فيه آلاف السوريين في لبنان من صعوبة تسجيل أبنائهم بطريقة نظامية، نظراً لظروفهم وعدم معرفتهم بشروط التسجيل عبر السفارة السورية في بيروت، ومخاوفهم الأمنية في معظم الأحيان.
يقول إبراهيم، وهو سوري مقيم في لبنان: "اضطررت لإرسال زوجتي إلى سوريا حتى تقوم بتسجيل ابني، بسبب نقص في الأوراق، وعدم وجود دفتر عائلة، وبالطبع عانت خلال السفر كثيراً، رغم وجود كفيل، لكن من لا يملك كفيلاً، وهو مسجل في مفوضية اللاجئين كيف يمكنه تسجيل مولوده الجديد؟ ثم هل يمتلك السوريون في لبنان تكاليف السفر والتنقل وما إلى ذلك لتسجيل أبنائهم؟".
تسعى هيئة العلماء السوريين في لبنان بكل طاقتها إلى حلحلة ملف تسجيل الولادات الجديدة، إلا أن تسجيل الولادات لديها لا يكون رسمياً وإنما فقط لتثبيت واقعة الولادة، وهو ما يتناقض مع تفسير مسؤولين لبنانيين بأن السوريين لا يرغبون في تسجيل أبنائهم رغبة منهم في الحصول على الجنسية.
جميعهم من طبقة فقيرة غير متعلّمة
يتعامل بعض اللبنانيين مع السوريين في الغالب على أنهم غير متعلمين، وبالتالي يتعامل "السيّد" مع "الشغيل أو الصانع"، ويعود ذلك إلى ما قبل الحرب السورية، إذ كانت الغالبية العظمى من السوريين في لبنان يعملون إما في البناء أو الزراعة. وهو ما أدى لاعتقاد لبنانيين كثر أن الشعب السوري بغالبيته إما عامل أو فلاح غير متعلّم.
يقول محمد، وهو طالب جامعي سوري عمل سابقاً في لبنان: "حتى العاملون في البناء قبل الحرب كان من بينهم طلاب جامعيون ومثقفون، لكن بسبب ضيق الأحوال في سوريا كنّا نتّجه للعمل صيفاً في لبنان، وهناك نواجَه أحياناً بطريقة معاملة السيد المثقف، رجل الأعمال اللبناني، مع أناس بسطاء غير متعلمين، رغم أنها ليست الحقيقة".
لكن مع تفاقم الحرب في سوريا، لجأ ما يقارب المليون ومئة ألف سوري، بينهم أطباء ومحامون وأساتذة ورجال أعمال وغيرهم، ورغم أن بعض اللبنانيين تجاوزوا ثقافة الطبقية، باعتبارهم تعاملوا مع شخصيات سورية متعلّمة ورجال أعمال مرموقين، إلا أن البعض الآخر ما زال يشعر بأن "السوري هو العامل، وأنا السيد".
تقول هنادي وهي مدرّسة سورية مقيمة في لبنان: "هذه الطريقة في التعامل ليست مع السوري فقط، هناك من يتعامل مع الفقراء اللبنانيين وأهالي القرى بنفس الطريقة، أي أنهم فقراء وغير متعلمين، وأنه هو من سافر وتعلم لغات وأصبح كما يقولون (class)، علماً أنه قد لا يكون متعلماً، وليس لديه سوى شهادة الفزلكة".
هذه القناعات الخاطئة وغيرها ساعد في توسُّعها وانتشارها من يرغب في عدم وجود بيئة للتفاهم والتعاون والإخاء بين السوريين واللبنانيين، وتأجيج حدة التوتر بينهما، وفي كل مناسبة يخلق مجالاً للخلاف واتهام السوريين مثلاً بـ"تلويث الهواء، واستهلاك الكهرباء والماء، تشويه المظهر الحضاري"، في حين أنها حجج واضحة للتهرُّب، ربما من ملفات أخرى أعمق، أمام الشعب اللبناني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.