رجاءً.. لا تفسدوا عُطل مسؤولينا!

حتى القراءة العبثية للأحداث لا تنفع في التخفيف من حدة الوضع؛ فالموقف مرير جداً: ثمة أُسر قضت ما يقارب الشهر وهي تتنقل من الحسيمة للدار البيضاء؛ لتتفقد أحوال أبنائها، باحثة عن أي بصيص أمل سياسي أو قانوني يمنّون النفس به، حاولوا جاهدين أن يقنعوا أنفسهم بأن الوطن لن يتنكر لأبنائه، وأن مطلب العيش الكريم لم يكن يوماً جرماً يعاقَب عليه بالسجن، فخذلهم القضاء وواجه أبناؤهم أحكاماً نافذة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/15 الساعة 10:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/15 الساعة 10:32 بتوقيت غرينتش

أصبحت صور القمع وسيلان الدماء مشاهد روتينية تتكرر عند كل محطة احتجاجية، ولم يعد مسؤولو الأمن لدينا يجدون أدنى حرج في تقديم إجاباتهم الدموية عن أي سؤال اجتماعي أصبح له امتداد احتجاجي.

فآخِر قناع كانت تستعمله الدولة في الترويج لوهم بناء دولة المؤسسات وإرساء ثقافة المواطَنة، سقط منذ مدة، منذ أن مارس النظام همجيته في وجه من خرجوا للشارع رافضين العفو الملكي عمن اغتصب أطفالهم، ذلك العفو الذي كتم آخر أنفاس الكرامة في روح وطن جريح، وكرَّس لدى مواطنيه يأساً مزمناً من كل محاولات الإصلاح المزعومة.

اليوم -ونحن نعيش على وقع تطورات الحراك الاجتماعي الذي تشهده منطقة الريف ونشهد كيفية تعاطي الدولة معه عبر أجهزتها الأمنية وأساليبهم القمعية- يتأكد لنا بوضوح، أنه لا وجود لأي نية حقيقية تلوح في الأفق لدى الدولة لأجل ترميم الثقة المهترئة لدى المواطنين فيها، وبناء تعاقد اجتماعي جديد يضمن شروط العيش الكريم لأبناء الريف وباقي مناطق البلاد. وهو ما يعني أن صور القمع والتنكيل ستتكرر طالما هناك مواطنون مصرُّون على انتزاع حقوقهم الكاملة ومتشبثون بمشروعية مطالبهم.

الحل إذاً لوقف هاته الآلة القمعية، هو التوقف عن رفع أي نوع من المطالب الاجتماعية، إنه منطق غريب سيقودنا حتماً إلى واقع كاريكاتيري: سنجد أنفسنا مجبَرين حينها على تقدير أن تدخُّلات الأمن عند كل وقفة أو مسيرة هي جدُّ مكلِّفة! وحجم الهلع، الذي يصيب نفوس رجال الأمن وهم يعطون أوامرهم بالتدخلات العنيفة، رهيب!

تصوروا أن أهل الريف عندما خرجوا للشارع مطالبين بحرية أبنائهم المعتقلين، قد تسببوا في إفساد عطلة العيد وفرحته على رجال الأمن، الذين اضطروا إلى النزول للشوارع راكضين وراء المتظاهرين بدل قضاء العيد رفقة أسرهم!

أليس قرار توقيف العطل السنوية لبعض الوزراء كفيلاً بتقديم إجابة شافية عن كل المطالب الاجتماعية المرفوعة؟ لماذا لم تتعامل أُسر المعتقلين بإيجابية مع المعطيات التي قدمها لنا السيد ماكرون حول قلق ملك البلاد بخصوص ملف احتجاجات الريف؟ ألم تكن الأحكام الصادرة ابتدائياً في حق أبنائهم مؤشراً كافياً على أن الملف يتجه فعلاً نحو حل سياسي قريب؟ هل كان لا بد من مسيرة يوم العيد؟ لماذا أفسدتم علينا فرحة يوم العيد مثلما أفسد الزفزافي على المصلين صلاة آخر جمعة من شعبان؟! ما الضرر في أن تحتفلوا بعيد الفطر في غياب أبنائكم المعتقلين؟!

حتى القراءة العبثية للأحداث لا تنفع في التخفيف من حدة الوضع؛ فالموقف مرير جداً: ثمة أُسر قضت ما يقارب الشهر وهي تتنقل من الحسيمة للدار البيضاء؛ لتتفقد أحوال أبنائها، باحثة عن أي بصيص أمل سياسي أو قانوني يمنّون النفس به، حاولوا جاهدين أن يقنعوا أنفسهم بأن الوطن لن يتنكر لأبنائه، وأن مطلب العيش الكريم لم يكن يوماً جرماً يعاقَب عليه بالسجن، فخذلهم القضاء وواجه أبناؤهم أحكاماً نافذة.

سمعوا الكثير عن عفو ملكي قد يشمل أبناءهم وسمعوا الأكثر عن الصيغ القانونية التي يمكن لها أن تؤطر ذلك، فسال الكثير من المداد في اتجاه عدم القبول بالعفو الملكي لمجموعة من الاعتبارات الشكلية، لكن الأسر كانت تنظر لحرية أبنائها فوق كل اعتبار شكلي، وبعد شهر من الآمال الكاذبة، لا شيء تحقق، فلم يكن من بديل أمامهم غير الاستمرار في الاحتجاج ونزول الشوارع يوم العيد حاملين آمالهم وآلامهم علّها تجد ضوءاً في نهاية النفق.

ولأننا في دولة لا تقدم حلولاً إلا في صيغ عُنيفة وبِلغة قمعية، كانت النتيجة كما صورتها لنا عدسات الكاميرات: المزيد من القمع والتنكيل والمزيد من الدماء التي خضّبت الوجوه.

ألا يوجد عاقل في دائرة صنّاع قراراتكم من يمكنه إخباركم بأن مقاربتكم الأمنية لم تدع مجالاً لأي حل سياسي؟ تذكَّروا جيداً أنكم أنتم من يهدد حقاً الأمن الحقيقي لهذا البلد، وأن غباءكم هذا هو ما يسير بالبلاد فعلاً نحو الكارثة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد