تعقيدات الحل في سوريا

لذلك أعتقد أنه يجب على كل مَن يطرح مبادرة أن يدرس ويفكر بتفاصيل هذه الأشياء، ويصل لأفق أو رؤية واضحة هل مبادرته قابلة للتحقيق أم أنها مجرد تمنيات تخالف كل الواقع؟ وفي أي اتجاه أو أمر يجب أن تتوجه جميع المبادرات هل لإيجاد حلول أم لإيجاد أرضية مشتركة لكل السوريين أولاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/14 الساعة 00:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/14 الساعة 00:44 بتوقيت غرينتش

يطرح الكثير من الناشطين والمثقفين والسياسيين المعارضين السوريين بين الفينة والأخرى مبادرات ومحاولات لاختراق جدار الأزمة القائمة بين مجتمع الثورة وبين بقايا النظام الاستبدادي السوري لإيجاد حلول لوقف الدم والدمار والتدهور في البلاد الذي تستغله المصالح الدولية من هنا وهناك، وتحقق اختراقات لم تكن لتحلم بها في غير هذه الظروف.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مثل هذه المبادرات والمحاولات هي جهود تستحق الشكر، سواء جاءت من أفراد أو مؤسسات، لكن السمة العامة في معظم تلك الطروحات هي الطرح العاطفي البعيد عن الواقعية.

فوجود رغبة لحل هذا الوضع القائم هي أُمنية جميع السوريين، لكنَّ هناك فرقاً كبيراً بين العاطفة أو الأُمنية وبين الواقع السياسي والعسكري القائم، وهذا ما يجب أن تضعه في الحسبان أية مبادرة يراد لها النجاح، ويراد لها تحقيق اختراق حقيقي في هذه المأساة التي فاقمتها التدخلات الدولية، وهذا يحتاج قيادة قوية قادرة على اتخاذ القرار بعيداً عن أهواء الدول وتدخلاتها.

ومما يجب وضعه في الحسبان طبعاً الوجود الروسي وتقرير أسلوب التعامل مع هذا الوجود، إن بالسياسة أو بالحرب ضمن رؤية شاملة تنطلق من قيادة حقيقية واضحة تتخذ القرار، وتعمل على تنفيذه على الأرض.

وكذلك مما يجب وضعه في الحسبان وجود الاحتلال الإيراني، وكيفية التعامل معه، ومع ما يمكن تسميته بدويلة حزب الولي الفقيه (اللبناني الإيراني)، التي باتت تحتل جزءاً من سوريا اليوم أضافته إلى الدويلة التي بدأها موسى الصدر بحركة أمل في الجنوب، ثم توسعت واحتلت ديمغرافياً -وطبعاً بوسائل المساعدة الإيرانية وأساليبها الملتوية- ضاحية بيروت الجنوبية بعد أن أكملت الاستيلاء على الجنوب اللبناني،

وإنهاء جميع حركات المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية هناك لصالح هذا الكيان الطائفي، ثم تمددت إلى المخيمات الفلسطينية بعد تفريغها من الفلسطينيين (صبرا، شاتيلا، الفاكهاني، برج البراجنة) ما بين عامَي 1982 و1990 ثم بعد عام 1990 بدأت التوسع بنفس الأساليب في البقاع الغربي والشرقي والشمال اللبناني، وتفريغ مخيم نهر البارد من سكانه بحجة الإرهاب، وبيد الجيش، ثم امتداداً حتى قيام الثورة السورية؛ حيث بدأ التوسع عسكرياً هذه المرة في الأراضي السورية، فاحتل جزءاً من شمال الجولان في مرتفعات جبل الشيخ، وجزءاً كبيراً من القلمون كيبرود وجبال القلمون، ثم القصير وحمص، وما زال التوسع مستمراً في محيط دمشق وأريافها وبقية المدن السورية.

والاحتلال الحزبلاتي يحقق مصلحة استراتيجية "إسرائيلية" وهو ما يجعل الأخيرة تلتزم الحياد حيال احتلاله لمناطق سوريا، وهي أن السوريين سيفكرون بأولوية الخلاص من الاحتلال الحزبلاتي طالما كان قائماً، وسيعملون على هذا طالما هو موجود، وطالما هو موجود فهو يخدم إضعاف السوريين وإبعاد الأنظار عن الاحتلال "الإسرائيلي" للجولان، ولذلك كلما طال كلما حقق المزيد لـ"إسرائيل" وكذلك يغطي على عبث "إسرائيل" المتواصل في الجنوب السوري برعاية ما يسمى (الموك).

أما في المقلب الآخر فهو يحقق لإيران ونظام الملالي فيها مصلحة استراتيجية كبرى، وهي توزع المد الصفوي الفارسي تحت ذريعة نشر التشيّع الذي تعمل على نشره القيادة الإيرانية منذ مجيء الخميني للسلطة، وتثبيت دعائمه، كما فعلت في العراق واليمن والبحرين وفي بيروت والبقاع والجنوب، وكثير من مدن سوريا خلال فترة حكم حافظ الأسد سلماً والآن جاء دور التوسع العسكري في زمن الحرب، فالكل وضع أدواته لدى العمائم الإيرانية.

ويجب على أي جهة تطرح مبادرات للخروج من هذه الحال أن ترى جيداً أنه ليس مسموحاً للأسد وميليشياته اتخاذ أي قرار بهذا الخصوص، بل لم يعد يملك أصلاً مثل هذا الخيار؛ لأن إيران لن تتنازل عن مشروع صرفت عليه المليارات من أموال شعبها المنهوبة وكرست له جهد الدولة الإيرانية وجهود حكوماتها المتعاقبة منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، بل هو "الإنجاز" الوحيد لجمهورية العمائم التي أفقرت شعبها، ولن تتخلى عن ذلك بسهولة فقط؛ لأن بشار الأسد قد يشعر فجأة نتيجة ضربة شمس "بسوريته"، ويتفق مع المعارضة على تقاسم السلطة (مع اعتراضي الشديد على مثل هذا الطرح أصلاً)، فهذا ما لن تسمح به إيران بأي شكل من الأشكال إلا بالقوة القاهرة.

وكذلك مما يجب وضعه في الحسبان الهوية الكردية والهوية العربية وكيفية احتواء الصدام القومي الذي يراد لهما وتنحت وتنسج له في الليل والنهار قوى استخبارية معروفة في مواجهة تركيا حيناً، ولتفتيت المنطقة كلها أحياناً قومياً وطائفياً وعِرقياً، وتدعمه قوى الاستبداد العربية صاحبة المصلحة المعروفة التي انتهت تجارتها بفلسطين، وباتت تبحث اليوم عن تجارة جديدة أمام شعوبها.

ويطرح البعض مسألة التوافق بين الثورة والنظام كأحد المخارج الممكنة، سيما أن الحسم العسكري بات ضرباً من الخيال أو انتظاراً لمعجزة.

وبفرض أن إيران سمحت للأسد بشيء من هذا فيمكنني القول إنّ هذا يبقى أمراً غير واقعي إطلاقاً أيضاً؛ لأن عقلية النظام هي عقلية قاصرة تنطلق من خلال تنازع الورثة الأغرار على التركة التي خلفها لهم حافظ الأسد، والتي يظنونها مزرعة ثابتة الملكية، التركة السياسية والأمنية والإجرامية، وتتعالى المزايدات والتباينات بين ماهر وبشار الأسد، وكذلك بين بقية أفراد الأسرة حول طريقة إدارة الأزمة، وكذلك تبرز وجهات نظر مختلفة من الأعمدة الأمنية التي خلفها الأسد من الحرس القديم، أمثال مَن هم في المناصب الرسمية أو ممن غادروها وأعادهم الأسد الابن كمستشارين في القصر الجمهوري إبان قيام الثورة كعلي دوبا وعلي حيدر وغيرهما.

وهذا يعني فيما يعنيه أنه لا توجد شخصية قوية قادرة على اتخاذ قرار بهذه الخطورة وإدارته وتنفيذه للخروج من هذا الدمار والموت وانعدام الأفق.

ولا يجب أن يفوت كل مَن يفكر بطرح مبادرات كيفية تجاوز الفيتو الأميركي والبريطاني على كل ما من شأنه حل المشكلة في سوريا أو الوصول إلى اتفاق حقيقي بين السوريين، فهؤلاء هم أصحاب القفازات النظيفة والتعامل معهم ومعرفة نواياهم أكثر تعقيداً من المنخرطين في المعركة على الأرض بشكل ظاهر.

كما لا يخفى أيضاً كثير من التدخلات العربية والمصالح الضيقة للأنظمة العربية الحاكمة وتمويلها لفصائل تحابيها على حساب الوطن السوري.

لذلك أعتقد أنه يجب على كل مَن يطرح مبادرة أن يدرس ويفكر بتفاصيل هذه الأشياء، ويصل لأفق أو رؤية واضحة هل مبادرته قابلة للتحقيق أم أنها مجرد تمنيات تخالف كل الواقع؟ وفي أي اتجاه أو أمر يجب أن تتوجه جميع المبادرات هل لإيجاد حلول أم لإيجاد أرضية مشتركة لكل السوريين أولاً؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد