كسر المجرمون ظهرك يا حدباء بعد أن عجز الزمان عن ذلك

جاء الوقت الذي تنحت فيه الحدباء لتلامس الأرض، وهي التي بقيت شامخة طوال مئات السنين لتصدح بصوت أذانها، وصوت الحق الذي بنيت من أجله، ويخيل لي بأن المنارة الحدباء التي بناها رجال العظام وتخرج من تحتها مَن هو أعظم، وارتقى على صرحها مئذنتها دعاة قدموا للإسلام ما يشهد له التاريخ، قد بدأ ظهرها الأحدب يأنُّ من ثِقل الخَلَف الذين أضاعوا قيمتها، وجعلوها بيد أبناء الرذيلة؛ ليتعاونوا مع اللقطاء في تدنيس قدسيتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/29 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/29 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش

جاء الوقت الذي تنحت فيه الحدباء لتلامس الأرض، وهي التي بقيت شامخة طوال مئات السنين لتصدح بصوت أذانها، وصوت الحق الذي بنيت من أجله، ويخيل لي بأن المنارة الحدباء التي بناها رجال العظام وتخرج من تحتها مَن هو أعظم، وارتقى على صرحها مئذنتها دعاة قدموا للإسلام ما يشهد له التاريخ، قد بدأ ظهرها الأحدب يأنُّ من ثِقل الخَلَف الذين أضاعوا قيمتها، وجعلوها بيد أبناء الرذيلة؛ ليتعاونوا مع اللقطاء في تدنيس قدسيتها.

جريمة ينكرها المجرمون

وبسبب أننا نعيش في زمن أشباه الرجال، يتنافس المجرمون في أبعاد اقتراف تلك الجريمة عن أنفسهم، فعناصر كلاب النار يقولون نحن بريئون من تفجير المنارة الحدباء وجامعها النوري، واللقطاء يقولون إنهم بريئون من هذه الجريمة، وكل فريقٍ يرمي التهمة على رفيقه في الجريمة، ونحن نعلم علم اليقين أن الفريقين متفقان على ذبح الموصل بأهلها وحضارتها ومعالمها التاريخية، ويرجون من ذلك أن يحولوا بين أبناء هذه المدينة وتاريخها المشرف، فعناصر داعش لم يبقَ صرح تاريخي ومعلم أثري إلا وحطمته، ولم يسلم منهم حتى البشر في هذه المدينة، فأوغلت في قتل شرفائها وعلمائها ودعاتها وأكاديميها.

أما مَن يدعي تحريرها، فلم يبقَ بيت أو مدرسة أو جامعة أو صرح ومعلم حضاري في هذه المدينة، إلا وهدمته على رؤوس أهلها، وأوغلت في إذلالهم.

كلكم تتحملون هذه الجريمة وكل الجرائم التي ارتكبت بحق هذه المدينة وغيرها من المدن، وسيخلد التاريخ كيف أن زمناً قد مضى على العراق تكالبت فيه قوى فارس وكلابها من داعش وميليشيات، على نهش هذه المدينة حتى آخر قطعة في لحم أبنائها، وأخر حجر من معالمها التاريخية، وسيخلد التاريخ أيضاً أن زمناً قادماً سيأتي على أبناء هذه المدينة وأبناء المدن الأخرى التي ذاقت ألوان العذاب على إرهابيي العصر، كيف سيثأرون لتاريخهم ولأبنائهم ولمدنهم وكيف سيردون على جرائمهم، فالحق لا يضيع بالتقادم ولكل عمل أوان.

يريدون أن يحولوا بين أبناء الموصل وتاريخهم

"هيهات منا الذلة" قالها الحسين بن علي حينما ثار على الظلم، وأراد إرجاع الحق لأهله، وأهالي الموصل وإخوانهم في باقي المدن يقولون نفس القول أيضاً (هيهات منا الذلة)، بالرغم من اقترافكم بحق الموصل أبشع الجرائم في حق أهلها وحق تاريخها وعمقها الحضاري، فالمدينة التي بنى جامعها "النوري"، المجاهد نور الدين محمود ابن المجاهد العظيم عماد الدين زنكي الملك العادل، وأنجبت صلاح الدين الأيوبي وعداس النصراني الذي ساند نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وقدم له قطفاً من العنب في الطائف ثم أسلم على يديه، ومحمود شيت خطاب، ومحمد مهدي الصواف، وغانم حمودات، وعماد الدين خليل، لقادرة على أن تنجب المزيد والمزيد لترفد بهم صرح الحضارة، أما أنتم فيكفيكم خزياً أن التاريخ سيخلد أسماءكم كأبشع ما عرفته البشرية من مجرمين، وسيدوّن أسماءكم مع سفاحي المغول وغدّاري الحشاشين المعروفين في التاريخ.

هل الحدباء بهذه الأهمية؟

يأتي من يأتي في هذا الزمان ويقول: لماذا أنتم محزونون جداً على مجرد حجر قد هُدم؟ ولم يعلم أن هذا الذي في نظره مجرد حجر، هو بالنسبة إلينا حضارة ودين وتاريخ، ولو كان غير ذلك، لماذا يدافع المرابطون في القدس عن المسجد الأقصى بأرواحهم لولا عظمة تاريخ ذلك المسجد ودلالاته الدينية؟ ولماذا نتوجه للمسجد الحرام في صلواتنا وهو مبني من مجرد حجر، لولا قدسيته الدينية التي أضفاها الله عليه.

وأشد ما أعجبني وشد مشاعري قول أحد أبناء الموصل الشيخ "عمار" وهو يرد على مَن يدعي أن الأولى بنا الاهتمام بالبشر لا الحجر، فأحببت أن أورد مقالته هنا نصاً؛ حيث يقول: "أستغرب جداً من هذا الطرح فما وجه الربط بين تفجير الحدباء ومأساة أهل السنة، وكأن في الحزن على المنارة تفريطاً وتضييعاً للدماء التي سُفِكت، لقد أتلفنا الحزن على أهلنا وشعبنا، وبنفس الوقت نبكي اليوم بحرقة على رمز سني عظيم وعريق، كان بعد الله ملاذاً للأمة مدة ثلاثة قرون في حقبة الحروب الصليبية.

تلك المئذنة خرج من تحتها القادة من أمثال عماد الدين ونور الدين زنكي وصلاح الدين الذين كسروا شوكة الصليبيين في بيت المقدس، والذين قضوا على دولة الفاطميين في مصر، تحت كل حجر من أحجار هذه المئذنة تاريخ وذكريات العز والصمود والتضحية.

واليوم اغتيلت بتآمر دولي ولثأر قديم من ذلك التاريخ العريق بغية مسحه من ذاكرة الأجيال القادمة، فكيف تبسّطون الأمر، وكيف لا نحزن ونبكي عليها، وماذا يبقى للإنسان إن محيت آثار عزه ومجده وتاريخه وهويته؟

من يفرط في تاريخه فهو لدينه أسرع تفريطاً

والحق أن مَن هو سريع في التفريط في تاريخه ومعالم حضارته، فهو بعقيدته أسرع تفريطاً.

وهل العقيدة إلا إرثٌ قد وصلنا من أجدادنا وحافظنا عليه؟ وهل جاءت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كفار قريش إلا لأنهم نسوا عقيدة التوحيد الإبراهيمية وتنكروا لها؟ بمعنى أنهم نسوا تاريخهم وإرثهم الحضاري.

وربما يأتي يوم على هؤلاء ويقولون: وما الضير في عقائد الآخرين إذا كانوا من أهل القبلة؟ فهم إخواننا في الدين، ولا يعلم هذا الغافل والذي يفكر بمثل طريقته، أن قيمة أي شعب هي بما يملك من عقيدة وقيم حضارية وصروح للمعرفة، تكون دافعاً لأبنائهم ليكونوا خير خلف لخير سلف، وأن مَن يدعي أنهم إخوانه بالدين والقِبلة، سيأتي اليوم الذي يساومونه على عقيدته، فإما أن يكون مثلهم على الضلالة، أو أن مصيره الموت أو التهجير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد